أَصْبَحْتُ مُنْفَعِلًا لِمَا يَخْتَارُهُ ... مِنِّي فَفِعلي كُلُّهُ طَاعَةُ

وقد يسمّون هذا حقيقةً باعتبار أنه حقيقة الربوبية، والحقيقة الموجودة الكائنة، أو الحقيقة الخبريّة، ولمّا كان في هؤلاء شَوْبٌ من النصارى، والنصارى لهم شوبٌ من الشرك تابعوا المشركين فيما كانوا عليه من التمسّك بالقدر المخالف للشرع، هذا مع أنهم يعبدون غير الله الذي قدّر الكائنات كما أن هؤلاء فيهم شوب من ذلك.

وإذا اتسع زنادقتهم الذين هم رؤساؤهم قالوا: ما نعبد إلا الله؛ إذ لا موجود غيره، وقال رئيس لهم: إنما كفر النصارى لأنهم خصّصوا، فيشرعون عبادة كل موجود بهذا الاعتبار، ويقررون ما كان عليه المشركون من عبادة الأوثان والأحجار، لكنهم يستقصرونهم حيث خصّصوا العبادة ببعض المظاهر والأعيان.

ومعلوم أن هذا حاصل في جميع المشركين، فإنهم متفنّنون في الآلهة التي يعبدونها، وإن اشتركوا في الشرك، هذا يعبد الشمس، وهذا يعبد القمر، وهذا يعبد اللات، وهذا يعبد العزى، وهذا يعبد مناة الثالثة الأخرى، فكل منهم يتخذ إلهه هواه، ويعبد ما يستحسن، وكذلك في عبادة قبور البشر كلّ يعلق على تمثال من أحسن به الظنّ.

(القسم الثاني القدرية المجوسيّة) الذين يجعلون لله شركاء في خلقه، كما جعل الأولون شركاء في عبادته، فيقولون: خالق الخير غير خالق الشرّ، ويقول من كان منهم في ملّتنا: إن الذنوب الواقعة ليست واقعة بمشيئة الله تعالى، وربّما قالوا: ولا يعلمها أيضًا، ويقولون: إن جميع أفعال الحيوان واقع بغير قدرته، ولا صنعه، فيجحدون مشيئته النافذة، وقدرته الشاملة، ولهذا قال ابن عبّاس: القدر نظام التوحيد، فمن وحّد الله، وآمن بالقدر تمّ توحيده، ومن وحّد الله، وكذّب بالقدر نقض تكذيبه قدره.

ويزعمون أن هذا هو العدل، ويضمون إلى ذلك سلب الصفات، ويسمّونه التوحيد، كما يسمّى الأولون التلحيد التوحيد، فيُلحِد كلّ منهما في أسمائه وصفاته، وهذا يقع كثيرًا، إما اعتقادًا، وإما حالًا في كثير من المتفقّهة والمتكلّمة، كما وقع اعتقاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015