السائل، والظاهر أنه أراد بذلك المبالغة في تعمية أمره؛ ليقوى الظن بأنه من جُفَاة الأعراب، ولهذا تخطى الناس، حتى انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما تقدم، ولهذا استغرب الصحابة صنيعه، ولأنه ليس من أهل البلد، وجاء ماشيا، ليس عليه أثر سفر.

[فإن قيل]: كيف عَرَف عمر -رضي الله عنه- أنه لم يعرفه أحد منهم.

[أجيب]: بأنه يحتمل أن يكون استند في ذلك إلى ظنه، أو إلى صريح قول الحاضرين، وهذا الثاني -كما قال الحافظ- أولى، فقد جاء كذلك في رواية عثمان بن غياث، فإن فيها: "فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقالوا: ما نعرف هذا".

وأفاد مسلم، في رواية عمارة بن القعقاع، سبب ورود هذا الحديث، فعنده في أوله: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سلوني، فهابوا أن يسألوه، قال: فجاء رجل ... "، ووقع في رواية ابن منده، من طريق يزيد بن زريع، عن كهمس: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب، إذ جاءه رجل، فكأن أمره لهم بسؤاله، وقع في خطبته، وظاهره أن مجيء الرجل، كان في حال الخطبة، فإما أن يكون وافق انقضاءها، أو كان ذكر ذلك القدر جالسا، وعبر عنه الراوي بالخطبة. انتهى "فتح" 1/ 159 - 160.

(ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ) قيل: كيف بدأ بالسؤال قبل السلام؟. أجيب: بأنه يحتمل أن يكون ذلك مبالغةً في التعمية لأمره، أو ليبين أن ذلك غير واجب، أو سلم فلم ينقله الراوي.

وهذا الثالث هو الصواب، فقد ثبت في رواية حديث أبي هريرة، وأبي ذرّ الآتي، ففيه: "حتى سلم من طرف البساط، فقال: السلام عليك يا محمد، فرد عليه السلام، قال: أدنو يا محمد؟ قال: ادن، فما زال يقول: أدنو؟ مرارا، ويقول له: ادن"، ونحوه في رواية عطاء، عن ابن عمر، لكن قال: "السلام عليك يا رسول الله"، وفي رواية مطر الوراق: "فقال: يا رسول الله أدنو منك؟ قال: ادن"، ولم يذكر السلام، فاختلفت الروايات، هل قال له: يا محمد، أو يا رسول الله، وهل سلم، أو لا، فأما السلام فمن ذكره مقدم على من سكت عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015