ومن أثبته فهو أولى به، قال: وهذا تمويه منهم؛ لأنهم يُثبتون القدّر لأنفسهم، ولذلك سُمُّوا، وقول أهل السنّة: إن علم الله سبق في البشر، فعلم كُفْرَ من كَفَر منهم، كما علم إيمان من آمن، فأثبتَ علمَهُ السابق وكتبه، وكلّ ميسّر لما خُلق له، وكُتب عليه. انتهى (?).

وقال في "المرعاة": القدّريّة هم الذين يقولون: إن العبد خالق لأفعاله، والأمر أُنُف من غير سبق قضاء وتقدير، واشتهر بهذا الاسم من لا يقول بالقدر لأجل أنهم تكلّموا في القدر، وأقاموا الأدلّة بزعمهم على نفيه، وتوغّلوا في هذه المسألة حتى اشتهروا بهذا الاسم، وبسبب توغّلهم، وكثرة اشتغالهم صاروا هم أحقّ بهذه النسبة من غيرهم، فلا يَرِدُ أن المثبت أحقّ بهذه النسبة من النافي، على أن الأحاديث صريحة في أن المراد ها هنا النافي، فاندفع توهّم القدريّة أن المراد في هذا الحديث المثبت للقدر لا النافي.

وربّما يتمسّك بالحديث من يُكّفّر الفريقين، قال ابن حجر الهيتميّ الشافعيّ: من أطلق تكفير الفريقين أخذًا بظاهر الحديث، فقد استروح، بل الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف أنا لا نُكَفِّر أهل البدع والأهواء، إلا إن أتوا بكفر صريح، لا استلزاميّ؛ لأن الأصحّ أن لازم المذهب ليس بلازم، ومن ثَمَّ لم يزل العلماء يعاملونهم معاملة المسلمين في نكاحهم وإنكاحهم، والصلاة على موتاهم، ودفنهم في مقابر المسلمين؛ لأنهم وإن كانوا مخطئين غيرَ معذورين حقّت عليهم كلمة الفسق والضلال، إلا أنهم لم يقصدوا بما قالوه اختيار الكفر، وإنما بذلوا وسعهم في إصابة الحقّ، فلم يحصل لهم، لكن لتقصيرهم بتحكيم عقولهم وأهويتهم وإعراضهم عن صريح السنّة والآيات من غير تأويل سائغ، وبهذا فارقوا مجتهدي الفروع، فإن خطأهم إنما هو لعذرهم بقيام دليل آخر عندهم مقاوم لدليل غيرهم من جنسه، فلم يُقصّروا، ومن ثَمَّ أُثيبوا على اجتهادهم. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015