تلك الأحوال الأخروية خارجة عن قياس أحوال أهل الدنيا.

ودل التنصيص على دارات الوجوه أن الوجه كله لا تؤثر فيه النار، إكراما لمحل السجود، ويحمل الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها.

وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا أن من كان مسلما، ولكنه كان لا يصلي لا يخرج، إذ لا علامة له، لكن يُحمل على أنه يخرج في القبضة، لعموم قوله: "لم يعملوا خيرا قط"، وهو مذكور في حديث أبي سعيد المذكور عند البخاريّ في "كتاب التوحيد". وهل المراد بمن يَسلَم من الإحراق من كان يسجد، أو أعم من أن يكون بالفعل، أو القوة؟، الثاني أظهر؟ ليدخل فيه من أسلم مثلا وأخلص، فبغته الموت قبل أن يسجد. انتهى "فتح" 13/ 285 - 286.

(فَيُخْرِجُونَهُمْ) أي من النار (فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا) أي يا ربّنا (قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا) أي بإخراجه ممن له علامة يُعرَف بها، وهو مواضح السجود، كما سبق آنفًا (ثمّ يَقُولُ) أي الله سبحانه وتعالى، (أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ مِنَ الْإِيَمانِ) أي زيادة على التوحيد؛ لما ثبت في حديث آخر: "أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يزن ذرّة" (ثُمَّ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ وَزْنُ نِصْفِ دِينَارٍ، ثمّ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثقال حَبّة) أي وزنُ حبّة، و"مثقالُ" بالرفع اسم "كان"، وقوله: (من خَرْدل) بيان لـ "مثقال"، و"الْخَرْدَل" -بفتح الخاء المعجمة، وسكون الراء، وفتح الدال المهملة، آخره لام- قال في "اللسان": الْخَرْدَل: ضربٌ من الْحُرْف (?) معروف، الواحدة خَرْدَلةٌ. انتهى (?).

ووقع في رواية مسلم بلفظ: "مثقال ذَرَّةٍ من خير" بفتح المعجمة، وتشديد الراء المفتوحة، قيل: معناها: أقلّ الأشياء الموزونة. وقيل: هي الهباء الذي يظهر في شُعاع الشمس، مثل رءوس الإبر. وقيل: هي النملة الصغيرة. ويُروى عن ابن عبّاس رضي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015