في "الفتح" 13/ 284.

(مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ) أي من إخوانكم الموصوفين بما ذكرتم (فَيَأْتُونَهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ) وقوله: (لَا تَأْكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ) جملة في محلّ تعليل: أي لأن النار لا تأكل صورهم، ولا تغيّرهم، والمراد مواضع سجودهم، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند الشيخين: "حرّم الله تعالى على النار أن تأكل أثر السجود"، وآثار السجود تكون في أعضائه السبعة.

(فَمِنْهُمْ) أي من إخوانهم الذين شفعوا لهم (مَنْ) بفتح الميم موصولة (أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ) بفتح الهمزة: جمع نِصف (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى كعْبَيْهِ).

[فإن قيل]: هذا نصّ على أن النار قد أخذت بعض أعضاء السجود، وهو يخالف قوله: "لا تأكل النار صُوَرهم"، وقوله: "حرّم الله تعالى على النار أن تأكل أثر السجود"، فكيف الجواب؟.

[قلت]: أجيب بأنا نقول: تأخذ النار، فتغيّرُ، ولا تأكل، فتذهب، ولا يبعد أن يقال: إن تحريم الصور على النار إنما يكون في حق هذه الطائفة المشفوع لهم أوّلًا لعلوّ رتبتهم على من يخرج بعدهم، فتكون النار لم تقرب صورهم، ولا وجوههم بالتغيير، ولا الأكل. قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى في "المفهم" 1/ 448 - 449.

وقال في "الفتح" عند شرح قوله: فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود: ما حاصله:

هذا جواب عن سؤال مقدر، تقديره: كيف يَعرِفون أثر السجود، مع قوله في حديث أبي سعيد، عند مسلم: "فأماتهم الله إماتة، حتى إذا كانوا فَحْمًا أَذِن الله بالشفاعة"، فإذا صاروا فحما كيف يتميز محل السجود من غيره؟ حتى يُعرف أثره.

وحاصل الجواب تخصيص أعضاء السجود، من عموم الأعضاء التي دل عليها هذا الخبر، وأن الله منع النار أن تُحْرِق أثر السجود من المؤمن، وهل المراد بأثر السجود نفس العضو، الذي يَسجُد، أو المراد مَن سَجَد؟ فيه نظر، والثاني أظهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015