عن الناس بكثرة قيل وقال، ولا بحث ولا جدال، وكذلك معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أعلم الناس بالحلال والحرام، وهو الذي يحشر يوم القيامة أمام العلماء بِرَتْوة، ولم يكن علمه بتوسعة المسائل وتكثيرها، بل قد سبق عنه كراهة الكلام فيما لا يقع، وإنما كان عالما بالله، وعالما بأصول دينه رضي الله عنه. وقد قيل للإمام أحمد: من نسأل بعدك؟ قال: عبد الوهاب الوراق، قيل له: إنه ليس له اتساع في العلم؟ قال: إنه رجل صالح، مثله يوفق لإصابة الحق. وسئل عن معروف الكرخي؟ فقال: كان معه أصل العلم خشية الله، وهذا يرجع إلى قول بعض السلف: كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا. وهذا باب واسع، يطول استقصاؤه.
ولنرجع إلى شرح حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، فنقول: من لم يشتغل بكثرة المسائل، التي لا يوجد مثلها في كتاب الله، ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، بل اشتغل بفهم كلام الله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقصده بذلك امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فهو ممن امتثل أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، وعمل بمقتضاه، ومن لم يكن اهتمامه بفهم ما أنزل الله على رسله، واشتغل بكثرة توليد المسائل، قد تقع وقد لا تقع، وتكلف أجوبتها بمجرد الرأي، خُشي عليه أن يكون مخالفا لهذا الحديث، مرتكبا لنهيه تاركا لأمره.
(واعلم): أن كثرة وقوع الحوادث التي لا أصل لها في الكتاب والسنة، إنما هو من ترك الاشتغال بامتثال أوامر الله ورسوله، واجتناب نواهي الله ورسوله، فلو أن من أراد أن يعمل عملا، سأل عما شرع الله في ذلك العمل فامتثله، وعما نهى عنه فيه فاجتنبه، وقعت الحوادث مقيدة بالكتاب والسنة، وإنما يعمل العامل بمقتضى رأيه وهواه، فتقع الحوادث عامتها مخالفة لما شرعه الله، وربما عسر ردها إلى الأحكام المذكورة في الكتاب والسنة؛ لبعدها عنها.
وبالجملة فمن امتثل ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، وانتهى عما نَهَى عنه، وكان مشتغلا بذلك عن غيره، حصل له النجاة في الدنيا والآخرة، ومن خالف ذلك، واشتغل بخواطره، وما يستحسنه وقع فيما حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- من حال أهل الكتاب،