عند اليهود والنصارى، فماذا تُغني عنهم؟ "، قال: فلقيتُ عُبَادة بن الصامت -رضي الله عنه-، فقلتُ: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء، قال: صدَقَ أبو الدرداء، إن شئتَ لأُحدّثنّك بأول علم يُرفع: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجامع فلا ترى فيه رجلًا خاشعًا. قال الترمذيّ: هذا حديث حسنٌ غريبٌ (?)، وقد خرّجه النسائيّ من حديث جبير بن نُفير أيضًا عن عوف بن مالك الأشجعيّ -رضي الله عنه- من طرق صحيحة.

فهذا الحديث ظاهر في أن الذي يُرفع إنما هو العمل بالعلم، لا نفسُ العلم، وهو بخلاف ما دلّ عليه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فإنه صريحٌ في أنّ المرفوع هو العلم.

وأجاب أبو العبّاس القرطبيّ، فقال: لا تباعد بينهما، فإنه إذا ذهب العلم بموت العلماء، خَلَفهم الْجُهّال، فأفتوا بالجهل، فعُمل به، فذهب العلم والعمل، وإن كانت المصاحف والكتب بأيدي الناس، كما اتّفقَ لأهل الكتابين من قَبْلنا، ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لزياد على ما نصّ عليه النسائيّ: "ثَكِلتك أمك يا زيادُ، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى؟ "، وذلك أن علماءهم لمّا انقرضوا خَلَفَهم جُهّالهم، فحرّفوا الكتاب، وجَهِلوا المعاني، فعملوا بالجهل، وأفتوا به، فارتفع العلم والعمل، وبقيت أشخاص الكتب لا تُغني شيئًا. انتهى كلام القرطبيّ (?).

(فَإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالمًا) -بضم أوله، وكسر القاف- من الإبقاء، والفاعل ضمير "الله تعالى"، و"عالمًا": أي لم يُبقِ الله عالمًا.

ولفظ البخاريّ: "حتى إذا لم يَبْقَ عالِمٌ"، وهو -بفتح أوله، وإسكان ثانيه- من البقاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015