ودفعه رفعة نفسه، وإظهار نفاسة فضله، وهذا يُشعر بأن معنى صدر الحديث: أن من ترك المراء، وهو مُبطلٌ، فوضع الكذب موضع المراء؛ لأنه الغالب فيه، أو المعنى: أن من ترك الكذب، ولو لم يترك المراء بُني له في ربَض الجنة؛ لأنه حفظ نفسه عن الكذب، لكن ما صانها عن مطلق المراء، فلهذا يكون أحطّ مرتبةً منه. قاله القاري (?).

(وَمَنْ حَسَّنَ) بتشديد السين المهملة، من التحسين (خُلُقَه) بضمتين، ويجوز التخفيف بتسكين اللام: أي حسّن بالرياضة جميع أخلاقه التي من جملتها المراء والكذب (بُنِيَ لَهُ في أَعْلَاهَا) أي في أعلى الجنّة حسًّا ومعنًى. وهذا يدلّ على أن الخلُق مكتسبٌ، وإن كان أصله غريزيًّا، ويقوّيه ما أخرجه أحمد في "مسنده" بإسناد صحيح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اللهم أحسنت خَلْقِي فأَحسِن خُلُقِي". وما أخرجه مسلم وغيره من حديث عليّ -رضي الله عنه- مرفوعًا: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يَهدي لأحسنها إلا أنت ... " الحديث. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

(مسألة): حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- هذا مما تفرّد به المصنّف، وهو ضعيف؛ لضعف سلمة بن وردان عند الجمهور، كما سلف في ترجمته، وأيضًا في متنه نكارة، فإنه جاء من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- في "سنن أبي داود"، وغيره، ولفظه:

4800 - حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر، قال: حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي، قال: حدثني سليمان بن حبيب المحاربيّ، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك المراء، وإن كان مُحِقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".

وهو حديث حسنٌ، وأيوب بن موسى روى عنه أبو الجماهر، وقال: كان ثقةً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015