إسحاق في "السيرة" -1440 - حيث قال: وجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني يومًا مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعرض له النضر بن الحارث، فكلمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} الآية [الأنبياء: 98] ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأقبل عبد الله بن الزِّبَعْري التميمي حتى جلس، فقال الوليد بن الغيرة له: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب وما قعد، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم، فقال عبد الله بن الزبعري: أما والله لو وجدته لخصمته، سلوا محمدًا أكلُّ ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيرًا، والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم، فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعري، ورأوا أنه قد احتج وخاصم، فذُكِر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "كلُّ من أحب أن يُعبَد من دون الله فهو مع عبده"، فإنهم إنما يعبدون الشيطان، ومن أمرهم بعبادته، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]: أي عيسى وعزير ومن عُبد معهما من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله عز وجل، فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابًا من دون الله، ونزل فيما يُذكر من أنهم يعبدون الملائكة، وأنهم بنات الله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} الآيات [الأنبياء: 26]، ونزل فيما يُذكر من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، وأنه يُعبد من دون الله، وعَجِب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]: أي يصدون عن أمرك بذلك من قوله، ثم ذُكر عيسى عليه الصلاة والسلام، فقال: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً في الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 59، 61] أي ما وضع على يديه من الآيات من إحياء