{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} أي ذوو العقول الخالصة، وهم الراسخون في العلم، الواقفون عند متشابهه، العاملون بمحكمه بما أرشدهم الله تعالى إليه في هذه الآية الكريمة.

وقال القرطبيّ: أي ما يقول هذا، ويؤمن، ويقف حيث وقف، ويدَع اتّباع المتشابه إلا ذو لُبّ، وهو العقل، ولبّ كل شيء خالِصُهُ، فلذلك قيل للعقل: لبّ، و"أولو" جمع "ذو" من غير لفظه. انتهى.

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله إخبارا عنهم: إنهم {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} أي المتشابه، {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} أي الجميع من المحكم والمتشابه حقّ وصدق، وكل واحد منهما يُصَدِّق الآخرَ، ويشهد له؛ لأن الجميع من عند الله، وليس شيء من عند الله بمختلف، ولا متضاد، كقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}، ولهذا قال تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}: أي إنما يَفْهَم، ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولو العقول السليمة، والفُهوم المستقيمة. انتهى (?).

(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (يَا عَائِشَةُ) نادى عائشة لحضورها في ذلك الوقت (إِذَا رَأَيْتُمُ) بضمير المخاطبين، وإنما عدل إلى الجمع للتنبيه على أن معرفة هذا لا يخُصّ عائشة رضي الله عنها، بل يعمّها وغيرها، وخاطب الغائبين، وذكّر الضمير للتغليب، ففيه تغليبان متعاكسان، فليُتَأَمّل. قاله السنديّ. وفي رواية البخاريّ: "فإذا رأيتِ" بتاء المخاطب، والخطاب لكل من يَتَأتّى له الخطاب، ولذا أتى بضمير الجمع في قوله: "فاحذروهم"، ويحتمل أن يكون بتاء المخاطبة، والخطاب لعائشة رضي الله تعالى عنها، ويكون قوله: "فاحذروهم" على أسلوب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} الآية [الطلاق: 1]. لأنها أم المؤمنين؛ بيانًا لشرفها، وغزارة علمها، كما يقال لرئيس القوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015