الرجال أن يدخل عليها إلا بإذن، ومن دخل كان بينه وبينها حجاب، إلا إن كان ذا محرم منها، ومع ذلك لا يدخل عليها حجابها إلا بإذنها، فكانت في تلك المدة منعت ابن الزبير من الدخول عليها.

قال الحافظ: كذا قال، ولا يخفى ضعف المأخذ الذي سلكه من أوجه، لا فائدة للإطالة بها، والصواب ما أجاب به غيره أن عائشة رضي الله عنها رأت أن ابن الزبير ارتكب بما قال أمرًا عظيمًا، وهو قوله: لأحجُرَنَّ عليها فإن فيه تنقيصا لقدرها، ونسبة لها إلى ارتكاب ما لا يجوز، من التبذير الموجب لمنعها من التصرف فيما رزقها الله تعالى، مع ما انضاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين، وخالته أخت أمه، ولم يكن أحد عندها في منزلته، فكأنها رأت أن في ذلك الذي وقع منه نوع عقوق، والشخص يَستَعظِم ممن يَلُوذ به ما لا يستعظمه من الغريب، فرأت أن مجازاته على ذلك بترك مكالمته، كما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبةً لهم، لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر، ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذةً الثلاثة؛ لعظيم منزلتهم، وازدراءً بالمنافقين؛ لحقارتهم، فعلى هذا يُحمَل ما صدر من عائشة رضي الله عنها.

وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده، والزوج زوجته، ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث، واستَدَلّ بأنه -صلى الله عليه وسلم- هَجَر نساءه شهرًا، وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضًا مع علمهم بالنهي عن المهاجرة.

ولا يخفى أن هنا مقامين أعلى وأدنى فالأعلى اجتناب، الإعراض جملة، فيبذل السلام، والكلام والمواددة بكل طريق، والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره، والوعيد الشديد إنما هو لمن يترك المقام الأدنى، وأما الأعلى فمن تركه من الأجانب فلا يلحقه اللوم، بخلاف الأقارب، فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم. انتهى المقصود من "الفتح"، وهو تحقيق نفيسٌ (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، واليه المرجع والمآب، وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015