لمقاربتهما، وأنه ليس بينهما إصبع أخرى، كما أنه لا نبي بينه وبين الساعة، ويحتمل أنه لتقريب ما بينهما من المدة، وأن التفاوت بينهما كنسبة التفاوت بين الإصبعين تقريبًا، لا تحديدًا. انتهى (?).
(وَيَقُولُ) -صلى الله عليه وسلم- (أَمَّا بَعْدُ) هي من الظروف المبنيّة على الضمّ؛ لقطعها عن الإضافة، ونيّة معناها: أي بعد ما تقدّم من الحمد لله عز وجل، والثناء عليه بما هو أهله.
وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "أما": كلمة تَفْصِلُ ما بعدها عما قبلها، وهي حرف متضمّن للشرط، ولذلك تدخل الفاء في جوابها، وقدّرها النحويون بـ "مهما"، و"بعد" ظرف زمانيّ قُطع عن الإضافة مع كونها مرادةً، فبُني على الضمّ، وخُصّ بالضمّ؛ لأنه حركةٌ ليست له في حال إعرابه، والعامل فيه ما تضمّنه "أمّا" من معنى الشرط، فإن معناه: مهما يكن من شيء بعد حمد الله فكذا. وقال بعض المفسّرين في قوله عز وجل: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20] أنه قول "أما بعد". انتهى (?).
وقال الطيبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "أما بعدُ" هاتان الكلمتان يقال لهما فصل الخطاب، وأكثر استعمالهما بعد تقدّم قصّة، أو حمد لله تعالى، والصلاة على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والأصل أن يقال: أما بعدَ حمد الله تعالى، و"بعد" إذا أُضيف إلى شيء، ولم يقدّم عليه حرف جرّ فهو منصوب على الظرفيّة، وإذا قُطع عنه المضاف إليه يُبنَى على الضمّ، والمفهوم منهما أنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك في أثناء خطبته ووعظه، وأنشد التوربشتيّ لسحبان [من الطويل]:
لَقَدْ عَلِمَ الحيُّ الْيَمانُونَ أَنَّنِي ... إِذَا قُلْتُ أَمَّا بَعْدُ أَنِّي خَطِيبهَا
قال: والفاء لازمة لما بعد "أما" من الكلام، لما فيها من معنى الشرط. قال الطيبيّ: "أما" وُضع للتفصيل، فلا بدّ من التعدّد، رَوَى صاحب "المرشد" عن أبي حاتم أنه لا يكاد يوجد في التنزيل "أما" وما بعدها إلا وتُثنّى، أو تُثلّث، كقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ}،