وإن كان في مرافعة، أو كان جدالًا بغير علم كان مذمومًا، قال الله تعالى: {مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية [غافر: 4]. وأصله الخصومة الشديدة، وسُمّي جَدَلًا؛ لأن كلّ واحد منهما يُحْكِم خصومته، وحجته إحكامًا بليغًا على قدر طاقته، تشبيهًا بجَدْلِ الحَبْلِ، وهو إحكام فَتْله (?)، يقال: جادله يجادله مجادلةً وجِدَالًا. وعلى هذا الذي ذكرته يُنَزّل ما جاء في الجدل من الذّمّ والإباحة. وقد ذكر الخطيب البغداديّ في كتابه "كتاب الفقيه والمتفقّه" جميع ما جاء في الجدل، ونزّله على هذا التفصيل، وبيّن ذلك أحسن بيان، وكذلك ذكره غيره. وقد صار الجدل علمًا مستقلا، وصُنّفت فيه كتُبٌ لا تُحصى، وممن صنّف فيه أبو إسحاق الشيرازيّ، والغزاليّ، وكتاباهما معروفان. وأول من صنّف فيه أبو عليّ الطبريّ. انتهى كلام النوويّ (?).

وقال ابن الأثير رحمه الله: "الجدَلُ": مقابلة الحجة بالحجة، والمجادلة: المناظرة والمخاصمة. والمراد به في الحديث الجَدَلُ على الباطل، وطلب المغالبة به، فأما الْجَدَل لإظهار الحقّ فإن ذلك محمود؛ لقوله عز وجل: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عطف الجَدَل على البدع من عطف الخاصّ على العامّ؛ لأن الجدل في الدين بالباطل من جملة البدع، وسيأتي تمام البحث في الجدل في مسائل الحديث الرابع من أحاديث الباب -إن شاء الله تعالى-. والله تعالى أعلم بالصواب.

وبالسند المتَّصل إلى الإمام ابن ماجة رحمه الله في أول الكتاب قال:

45 - (حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الجحْدَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015