وقوله: "لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلا هَالِكٌ": "يَزِيغ" بفتح أوله، من باب باع: أي يَمِيل، يقال: زاغت الشمس تزيغ زيغًا: إذا مالت، وزاغت تزوغ زَوغًا من باب قال لغة فيه، ويتعَدّى بالهمزة، فيقال: أزاغه إزاغة. أفاده الفيّوميّ (?).
والمعنى: لا يميل، ولا يخرُج عن الملّة، ويعمل بخلافها متعمّدًا إلا الهالك الذي مأواه جهنم وبئس المصير.
وقوله: "فَإِنَّمَا المُؤْمِنُ كَالجمَلِ" بفتحتين "الْأَنِفِ" بفتح الهمزة، وكسر النون: أي المأنوف، وهو الذي عَقَرَ الْخِشَاشُ (?) أنفه، فهو لا يمتنع على قائده للوَجَع الذي به. وقيل: الأَنِفُ: الذَّلُول، يقال: أَنِفَ البعيرُ يَأْنْف أَنفًا، فهو آنفٌ: إذا اشتكى أنفَهُ من الْخِشَاش، وكان الأصل أن يقال: مأنوفٌ، لأنه مفعول به، كما يقال: مصدُورٌ، ومَبْطُونٌ للذي يشتكي صدره وبطنه، وإنما جاء هذا شاذّا. ويُروَى كالجمل الآنف بالمدّ، وهو بمعناه. قاله ابن الأثير (?).
وقال في "اللسان" بعد ذكره كلام ابن الأثير: وقال أبو سعيد: الجمل الأنِف: الذلول المؤاتي الذي يَأْنَف من الزجر، ومن الضرب، ويُعطي ما عنده من السَّيْر عَفْوًا سَهْلًا، كذلك المؤمن لا يَحتاج إلى زجر، ولا عِتَاب، وما لزمه من حقّ صَبَر عليه، وقام به. انتهى (?).
يعني أن المؤمن كالجمل الذي جُعل الزمام في أنفه، فيجُرّه من شاء من صغير وكبير، ورجال ونساء إلى حيث يشاء، كما أوضحه بقوله: "حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ". و"حيثما" اسم شرط جازمة تجزم شرطها وجوابها، و"قيد" بكسر القاف مبنيّا للمفعول فعل شرطها، و"انقاد" مطاوع قاد جوابها: أي إلى أيّ مكان جُرّ انجرّ إليه، ولا يستعصي على