وقيل: المعنى في ذكر سنة الخلفاء مع سنّته أن يُعْلَم أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مات على تلك السنّة، وأنه لا يحتاج مع قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى قول أحد، فلا زائد إذًا على ما ثبت في السنّة إلا أنه قد يُخاف أن تكون منسوخة بسنة أخرى، فافتقر العلماء إلى النظر في عمل الخلفاء بعده؛ ليعلموا أن ذلك هو الذي مات عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من غير أن يكون له ناسخٌ؛ لأنهم كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمره. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا يقتضي أن المراد بسنة الخلفاء هي السنة المنصوص عليها فقط، وهذا خلاف الصواب، بل الحقّ أن لهم سنة تُعزى إليهم، وهي التي استنبطوها من الأدلّة الشرعيّة، فنُسبت إليهم، فأمر -صلى الله عليه وسلم- باتباعها؛ لأنها مستنبطة من سنته. فتفطّن، والله الهادي إلى سواء السبيل.

وقال صاحب "سبل السلام": أما حديث: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين بعدي، فإنه ليس المراد بسنّة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته -صلى الله عليه وسلم- من جهاد الأعداء، وتقوية شعائر الدين ونحوها، فإن الحديث عام لكل خليفة راشد، لا يَخُصُّ الشيخين، ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفةٍ راشدٍ أن يَشْرَع طريقةً غير ما كان عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ثم هذا عمر -رضي الله عنه- نفسُهُ الخليفةُ الراشد سَمَّى ما رآه من تجميع صلاته ليالي رمضان بدعةً، ولم يَقُل: إنها سنة فتأمل.

على أن الصحابة -رضي الله عنهم- خالفوا الشيخين في مواضع ومسائل، فدل على أنهم لم يحملوا الحديث على أن ما قالوه، وفعلوه حجة.

قال المباركفوريّ رحمه الله بعد نقل كلام صاحب "السبل" هذا: فإذا عرفت أنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته -صلى الله عليه وسلم- لاح لك أن الاستدلال على كون الأذان الثالث -يعني أذان الجمعة- الذي هو من مجتهدات عثمان -رضي الله عنه- أمرًا مسنونًا ليس بتامّ، ألا ترى أن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: الأذان الأول يوم الجمعة بدعة، فلو كان هذا الاستدلال تاما، وكان الأذان الثالث أمرًا مسنونًا، لم يُطلِق عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015