الأصل، وبالسكون هو المشهور، وهو أمر من التبوّء، وهو اتّخاذ المبَاءة: أي المنزل، يقال: تبوّأ الرجل المكان: إذا اتّخذه موضعًا لمقامِهِ، وقال الجوهريّ: تبوّأتُ منزلًا: أي نزلته. وقال الخطّابيّ: تبوّأت بالمكان أصله من مباءة الإبل، وهي أعطانها.
وقال الخطابيّ أيضًا: ظاهره أمر، ومعناه خبرٌ، يريد أن الله تعالى يبوّئه مقعده من النار. وقال الطيبيّ: الأمر بالتبوّؤ تهكّم وتغليظٌ، إذ لو قيل: كان مقعده في النار لم يكن كذلك، وأيضًا فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه: أي كما أنه قصد في الكذب التعمّد فليقصد في جزائه التبوّء. وقال الكرمانيّ: يجوز أن يكون الأمر على حقيقته، والمعنى: من كذب فليأمر نفسه بالتبوّء. وقال العينيّ: الأولى أن يكون أمر تهديد، أو يكون دعاء على معنى بوّأه الله. انتهى (?). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه، بلفظ (?): "من كذب عليّ متعمّدًا، فليتبوّأ مقعده من النار". والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا -4/ 34 بهذا الإسناد، وأخرجه (أحمد) (2/ 501) و (ابن حبّان) رقم (28) من هذا الوجه. و (أحمد) 2/ 413 و (الدارميّ) رقم (599) من طريق عاصم بن كُليب، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. و (أحمد) 1/ 400 و 2/ 410 و463 و 469 و 519 و (البخاريّ) 1/ 38 و 8/ 54 و (مسلم) في "المقدّمة" 1/ 7