كنت ألزمنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحفظنا لحديثه. وعن الدراوردي، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، قال: تواعد الناس ليلة إلى قبّة من قباب معاوية، فاجتمعوا فيها، فقام أبو هريرة يحدّثهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح.
وأخرج ابن سعد من طريق سالم مولى بني نصر، سمعت أبا هريرة، يقول: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع العلاء الحضرمي، فأوصاه بي خيرًا، فقال لي: "ما تحب؟ " قلت: أؤذن لك، ولا تسبقني بـ "آمين"، وأخرجه البخاري من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم.
قال الحافظ الذهبيّ رحمه الله تعالى معلّقا على هذا الأثر: هذا دالّ على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرّك فتنة في الأصول، أو الفروع، أو المدح والذمّ، أما حديث يتعلّق بحل، أو حرام، فلا يحلّ كتمانه بوجه، فإنه من البينات والهدى، وفي "صحيح البخاريّ" قول الإمام عليّ -رضي الله عنه-: "حدّثوا الناس بما يَعرفون، ودعوا ما يُنكرون، أتحبّون أن يكذّب الله ورسوله"، وكذا لو بثّ أبو هريرة -رضي الله عنه- ذلك الوعاء لأوذي، بل لقُتل، ولكن العالم قد يؤدّيه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلانيّ؛ إحياء للسنّة، فله ما نوى، وله أجر، وإن غلط في اجتهاده. انتهى (?).
وعند أحمد من طريق يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، وقيل له: أكثرت، فقال: لو حدثنّكم بما سمعت لرميتموني بالقَشَع، أي الجلود.
وفي "الصحيح" عن نافع قال: قيل لابن عمر حديث أبي هريرة، أن من اتبع جنازة، فصلى عليها فله قيراط ... الحديث، فقال: أكثر علينا أبو هريرة، فسأل عائشة، فصدقته، فقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة. وأخرج البغوي بسند جيد، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة: أنت كنت ألزمنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأعلمنا