وتعقّب الحافظ قول ابن المنادي هذا، وتعجّب من الحافظ المزّي حيث نقله، ولم يتعقّبه، مع حفظه ونقده، فقال: وقول ابن المنادي: إن الأعمش أخذ بركاب أبي بكرة الثقفي غلط فاحش؛ لأن الأعمش وُلد إما سنة (61) أو سنة (59) على الخلف في ذلك، وأبو بكرة مات سنة إحدى أو اثنتين وخمسين، فكيف يتهيأ أن يأخذ بركاب من مات قبل مولده بعشر سنين أو نحوها؟ وكأنه كان -والله أعلم- أخذ بركاب ابن أبي بكرة، فسقطت "ابن"، وثبت الباقي. انتهى.
وقال وكيع، عن الأعمش: رأيت أنس بن مالك، وما منعني أن أسمع منه إلا استغنائي بأصحابي. وقال ابن المديني: حفظ العلم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ستة: عمرو بن دينار بمكة، والزهري بالمدينة، وأبو إسحاق السبيعي، والأعمش بالكوفة، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير بالبصرة. وقال أبو بكر بن عياش عن مغيرة: لما مات إبراهيم اختلفنا إلى الأعمش في الفرائض. وقال هشيم: ما رأيت بالكوفة أحدًا أقرأ لكتاب الله منه.
وقال ابن عيينة: سبق الأعمش أصحابه بأربع: كان أقرأهم للقرآن، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض، وذكر خصلة أخرى. وقال يحيى بن معين: كان جرير إذا حدث عن الأعمش، قال: هذا الديباج الخسرواني. وقال شعبة: ما شفاني أحد في الحديث ما شفاني الأعمش. وقال عبد الله بن داود الْخُريبي: كان شعبة إذا ذكر الأعمش قال: المصحف المصحف. وقال عمرو بن علي: كان الأعمش يسمى المصحف؛ لصدقه. وقال ابن عمار: ليس في المحدثين أثبت من الأعمش، ومنصور ثبت أيضا، إلا أن الأعمش أعرف بالمسند منه. وقال العجلي: كان ثقة ثبتا في الحديث، وكان محدث أهل الكوفة في زمانه، ولم يكن له كتاب، وكان رأسا في القرآن، عَسِرًا، سيىء الخلق، عالمًا بالفرائض، وكان لا يلحن حرفا، وكان فيه تشيع، ويقال: إن الأعمش وُلد يوم قتل الحسين، وذلك يوم عاشوراء سنة (61). وقال عيسى بن يونس: لم نر مثل الأعمش، ولا رأيت الأغنياء والسلاطين عند أحد أحقر منهم عند الأعمش، مع فقره وحاجته. وقال يحيى بن سعيد القطان: كان من النساك، وهو علامة الإسلام. وقال