شرح الحديث:

(عَن أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَا) نافية (مِنْ) زائدة بعد النفي (رَجُلٍ) مبتدأ خبره جملة الاستثناء (يَحْفَظُ عِلْمًا) قيّده بالحفظ؛ إذ لا كتمان بدونه (فَيَكْتُمُهُ) أي إذا سئل عنه، كما في الروايات الآتية، وكأنه ترك ذكره إذ لا يظهر الكتمان قبل ذلك (إِلَّا أُتِيَ بِهِ) بالبناء للمفعول (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) حال كونه (مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِن النَّارِ) أي مدخلًا اللجام في فمه؛ لأنه موضع خروج العلم والكلام.

والظاهر أن المراد أنه يحضر المحشر كذلك، ثم أمرُهُ بعد ذلك إلى الله تعالى، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه؛ لأنه أمسك عن قول الحقّ وقتَ الحاجة والسؤال، فجوزي بمثله حيث أمسك الله فمه في وقت اشتداد الحاجة إلى الكلام، والجواب عند السؤال عن الأعمال، ثم لعلّ هذا مخصوص بما إذا كان السائل أهلًا لذلك العلم، ويكون العلم نافعًا، وقال الخطابيّ: هو في العلم الضروريّ، كما لو قال: علّمني الإسلام، والصلاة، وقد حضر وقتها، وهو لا يحسنها، لا في نوافل العلم التي لا ضرورة بالناس إلى معرفتها. ذكره السنديّ (?).

وقال الطيبيّ: قوله: "بلجام" من باب التشبيه لبيانه بقوله: "من النار"، كقوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، شُبّه ما يوضع في فيه من النار بلجام في فم الدابّة، وهو إنما كان جزاء إمساكه عن قول الحقّ، وخصّ اللجام بالذكر تشبيهًا له بالحيوان الذي سخّر، ومُنع من قصد ما يريده، فإن العالم شأنه أن يدعو الناس إلى الحقّ، ويُرشدهم إلى الطريق المستقيم، قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]، لا سيّما وقد سئل عما يضطرّه إلى الجواب، فإذا امتنع منه جوزي بما امتنع عن الاعتذار، كما قال الله تعالى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015