هذا الخسيس أيضًا راغمًا أنفه، ففي حديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه- مرفوعًا: "من كانت الدنيا هَمَّهُ فَرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة" (?).
3 - (ومنها): أن طلب الدنيا بعلم الفلسفة ونحوه، مما ليس بعلم شرعيّ لا يدخل في هذا الوعيد.
4 - (ومنها): ما قاله التوربشيّ رحمه الله تعالى: قد حُمِل هذا المعنى على المبالغة في تحريم الجنة على المختصّ بهذا الوعيد، كقولك: ما شممت قُتَار (?) قِدره للمبالغة في التبري عن تناول طعامه، أي ما شممت رائحتها، فكيف بالتناول عنها؟، وليس كذلك، فإن المختصّ بهذا الوعيد إن كان من أهل الإيمان فلا بدّ وأن يدخل الجنة، عُرِف ذلك بالنصوص الصحيحة، فتأويل هذا الحديث أن يكون تهديدًا وزجرًا عن طلب الدنيا بعمل الآخرة، وأيضًا يوم القيامة يوم موصوف، وذلك من حين يُحشر الناس إلى أن ينتهي بهم الأمر إما إلى الجنّة، وإما إلى النار، ولا يلزم من عدم وجدانها يوم القيامة فقط عدم وجدانها مطلقًا، وبيان ذلك أن الآمنين من الفزع الأكبر، وهي النفخة الأخيرة إذا وردوا القيامة يُمَدُّون برائحة الجنة تقويةً لقلوبهم وأبدانهم، وتسليةً لهمومهم وأشجانهم على مقدار حالهم في العرفة وإيقانهم، ومن تعلّم للأغراض الفانية، وكان من حقّه أن لا يتعلّمه إلا ابتغاء وجه الله يكون كمن حَدَثَ مرضٌ في دماغه يمنعه عن إدراك الروائح، فلا يجد رائحة الجنة، لما في قلبه من الأغراض المخِلّة بالقوى الإيمانيّة. انتهى (?).
وقد سبق أن بعضهم حمله على من استحلّ ذلك، فيكون على ظاهره؛ لأن