وقد حَمَل بعضهم حديث "من يرد الله به خيرًا" على هذا المعنى، فقال: لا يدري أحد أنه أريد له الخير في الدنيا إلا الفقهاء، وكأنه مبنيّ على أن من يريد له الخير يفقهه لا غيره؛ بناءً على اعتبار مفهوم الشرط، لكن هذا المعنى بعيد، وهذا الإطلاق لا ينبغي شرعًا، فليُتأمل. قاله السنديّ (?) (وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ) مشيرًا إلى الحلقة الثانية (يَتَعَلَّمُونَ، وَإِنَّما بُعِثْتُ مُعَلِّمًا) فيه إشعار بأنهم منه، وهو منهم، ولذا جلس معهم، كما قال (فَجَلَسَ مَعَهُمْ) تفضيلًا لهم، فدلّ على أن طلب العلم، ونشره، وتعليمه للناس أفضل من قراءة القرآن، والذكر، والدعاء، وذلك لأنه وظيفة الأنبياء، ومهمة الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قال الجامع -عفا الله عنه-: حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- هذا ضعيف جدًّا؛ لأن في سنده داود بن الزِّبْرقان، متروك، بل كذبه الجوزجانيّ (?)، وبكر بن خُنيس أيضًا ضعفه بعضهم، وعبد الرحمن بن زياد الإفريقيّ ضعيف أيضًا.
والحديث أخرجه (المصنّف) هنا (39/ 229) بهذا السند، ولم يُخرجه من أصحاب الأصول أحد غيره، وأخرجه (الدارميّ) في "سننه" (355)، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال الشيخ الألبانيّ في "سلسلة الأحاديث الضعيفة": وقد اشتهر الاحتجاج بهذا الحديث على مشروعيّة الذكر على الصورة التي يفعلها بعض أهل الطرق من التحلّق، والصياح في الذكر، والتمايل يمنة ويسرةً وأماما وخلفًا مما هو غير مشروع باتفاق الفقهاء المتقدّمين، ومع أن الحديث لا يصحّ كما علمت، فليس فيه هذا الذي زعموه، بل غاية ما فيه الاجتماع على ذكر الله تعالى، وهذا فيه أحاديث صحيحة في "صحيح مسلم"، وغيره، تغني عن هذا الحديث، وهي لا تفيد أيضًا إلا مطلق