نضبَطَ الماءُ يَنْبطُ -يعني من بابي ضرب، ونصر-: نبَعَ، والْبِئْرَ: استخرجَ ماءَهَا. انتهى (?).
فأفادت عبارته أن نَبَطَ يتعدّى ويلزم، وما هنا من المتعدي، والمراد أنه جاء يطلب العلم، ويستخرجه من صدور العلماء، ويجعله في قلبه، وقال السنديّ: وقال السيوطيّ تبعًا لصاحب "النهاية": أي أستنبطه، أي أُظهره، وأُفشيه في الناس. انتهى. وظاهره أنه خرج يُعلّم الناس، وهو لا يناسب اللفظ، ولا آخر الحديث، فليتأمّل. انتهى كلام السنديّ -رحمه الله- (?).
قال الجامع -عفا الله عنه-: المعنى الأول هو الأوضح، لكن لما قاله السيوطيّ أيضًا وجه، وذلك أنه يُفشيه ويُظهره للناس بعد أن يتعلّمه، فيكون من باب الحثّ لصفوان -رضي الله عنه- أن يَعْتَنِي بتعليمه؛ لأنه سيقوم في إفادة الناس، وتعليمهم بعد أن يتعلّم منه. والله تعالى أعلم.
(قَالَ) صفوان -رضي الله عنه- (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: مَا) نافيةٌ (مِنْ) زائدة للتأكيد، كما قال في "الخلاصة":
وَزِيدَ في نَفِي وَشِبْهِهِ فَجَرْ ... نكرَةً كـ "مَا لِبَاغ مِنْ مَفَرْ"
(خَارِجٍ) مبتدأ مرفوع بضمة مقدّر؛ لأجل حركة حرف الجرّ الزائد، وخبره جملة "إلا وضعت إلخ" (خَرَجَ مِنْ بَيْتهِ في طَلَبِ الْعِلْمِ) أي لأجله، فـ "في" تعليليّة، كما في قوله -عز وجل-: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32]، وقوله: {لَمَسَّكُمْ في مَا أَفَضْتُمْ} [النور: 14]، وفي الحديث: "عُذِّبت امرأة في هرّة حبستها حتى ماتت جوعًا. . . ." متّفقٌ عليه، (إِلَّا وَضَعَتْ لَهُ الملائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا؛ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ) هذه الجملة تقدّم شرحها مستوفًى شرح حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- برقم (223)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.