الدين المِزّيّ: هذا الحديث رُوي من طرق تبلغ رتبة الحسن،، وهو كما قال: فإني رأيت له نحو خمسين طريقًا، وقد جمعتها في جزء. انتهى كلام السيوطيّ.
والحاصل أن الحديث حسنٌ بكثرة طرقه، وقد أجاد الكلام الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم وفضله" 1/ 23 - 62 واستوفى محقق الكتاب الكلام، فأجاد وأفاد، وكذا الحافظ السخاويّ في "المقاصد الحسنة" ص (275 - 277). والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): أخرج الحافظ ابن عبد البرّ -رحمه الله- بسنده عن إسحاق بن راهويه، قال: طلب العلم واجب، ولم يصحّ فيه الخبر، إلا أن معناه أن يلزمه طلب علم ما يحتاج إليه من وضوئه، وصلاته، وزكاته إن كان له ماله، وكذلك الحجّ وغيره، قال: وما وجب عليه من ذلك لم يستأذن أبويه في الخروج إليه، ومن كان منه فضيلةً لم يخرج إلى طلبه حتى يستأذن أبويه.
قال أبو عمر: يريد إسحاق -والله أعلم- أن الحديث في وجوب طلب العلم في أسانيده مقالٌ لأهل العلم بالنقل، ولكن معناه صحيح عندهم، وإن كانوا قد اختلفوا فيه اختلافًا متقاربًا على ما نذكره هاهنا إن شاء الله.
ثم أخرج عن ابن وهب، قال: سئل مالك عن طلب العلم أهو فريضة على الناس؟ فقال: لا والله، ولكن يطلب منه المرء ما ينتفع به في دينه.
قال: وروينا عن الحسن بن الربيع، قال: سألت ابن المبارك عن قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم" قال: ليس هو الذي يطلبونه، ولكن فريضة على من وقع في شيء من أمر دينه أن يسأل عنه حتى يعلمه. وسئل ابن المبارك أيضًا ما الذي لا يسع المؤمن من تعليم العلم إلا أن يطلبه؟ وما الذي يجب عليه أن يتعلّمه؟ قال: لا يسعه أن يُقْدِم على شيء إلا بعلم، ولا يسعه حتى يسأل.
وأخرج عن ابن عيينة قال: طلب العلم والجهادُ فريضة على جماعتهم، ويجزىء فيه بعضهم عن بعض، وقرأ هذه الآية: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ