بالواو (همْ وَرَثَةُ الأنبِيَاءِ) إنما سُمّي العلماء ورثة الأنبياء أخذًا من قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]، ومعلوم أنه لا رتبة فوق رتبة النبوّة، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة.
قيل: إنما لم يقل: "ورثة الرسل"؛ ليكون أشمل؛ إذ من العلماء من كان مبلّغًا للأمة نافعًا بنشر علمه بينها، فهم كالرسل، ومنهم من يستطيع لا ذلك؛ لسبب من الأسباب، فهو عاملٌ بعلمه، فهؤلاء كالأنبياء، والله تعالى أعلم (إِن الأَنبِيَاءَ) وفي رواية أبي داود: "وإن الأنبياء" بالواو أيضًا (لَمْ يُوَرِّثوا) بتشديد الراء من التوريث (دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا) أي شيئًا من الدنيا، وخصهما بالذكر؛ لأنهما أغلب أنواعها (إِنَّما وَرَّثُوا الْعِلْمَ) وفي رواية أحمد: "وإنما ورّثوا" بالواو، وهو بتشديد الراء أيضًا، أي بقي علمهم بين الأمة بعدهم تنتفع به الأمة في إظهار الإسلام، ونشر الأحكام، وإصلاح أحوالهم الظاهرة والباطنة، على تباين أجناسهم واختلاف أنواعهم (فَمَنْ أَخَذَهُ) أي العلم الموروث عن الأنبياء (أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) أي حصل له نصيبٌ عظيم تام لا نقص به في الدنيا والآخرة.
وقال القاري في "شرح المشكاة": قوله: "أخذ بحظّ وافر" أي أخذ حظّا وافرًا، يعني نصيبًا تامًّا، أي لا حظ أوفر منه، والباء زائدة للتأكيد، أو المراد أخذه متلبسًا بحظّ وافر من ميراث النبوّة، ويجوز أن يكون "أخذ" خبرًا بمعنى الأمر، أي فمن أراد أَخْذَهُ، فليأخذ بحظّ وافر، ولا يقتنع بقليل. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- هذا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يكون صحيحًا، وإسناده ضعيف؛ لأن داود بن جميل، وشيخه