شرح الحديث:
(عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ) بفتح الحاء المهملة، وسكون اللام، وفتح الموحّدة، آخره سين مهملة، بوزن جعفر (أنهُ حَدَّثَهُ) أي يونس حدّث مروان، فالضمير الأول ليونس، والثاني لمروان (قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) -رضي الله عنهما-، حال كونه (يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ) -صلى الله عليه وسلم- (قَالَ: الخيْرُ عَادَةٌ) المراد منه -والله أعلم- أن الإنسان مجبول على حبّ الخير، كما قال الله -عز وجل-: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه. . . ." الحديث، متّفق عليه.
(وَالشَّرُّ لجَاجَةٌ) بالفتح، أي خصومة، أي لا ينشرح له الصدر، ولا تنبسط له الروح إلا بواسطة لجاجة النفس الأمارة بالسوء والشيطان.
قال السنديّ -رحمه الله-: قوله: "الخير عادة إلخ" أي المؤمن الثابت على مقتضى الإيمان والتقوى ينشرح صدره للخير، فيصير له عادة، وأما الشرّ، فلا ينشرح له صدره، فلا يدخل في قلبه إلا بلجاجة الشيطان، والنفس الأمارة، وهذا هو الموافق لحديث: "دع ما يريبك إلا ما لا يريبك، والإثم ما حاك في الصدر، وإن أفتاك المفتون"، والمراد أن الخير موافقٌ للعقل السليم، فهو لا يَقبَل إلا إياه، ولا يَميل إلا إليه، بخلاف الشرّ، فإن العقل السليم يَنفِر عنه، ويقبّحه، وهذا ربّما يميل إلى القول بالحسن والقبح العقليين في الأحكام، فليتأمل.
قال الجامع -عفا الله عنه-: قوله: "ربما يميل إلخ" إن أراد به هذه المسألة ففيه إفراط وتفريط، والحقّ بينهما، وذلك أن المعتزلة لا يرون التحسين والتقبيح الشرعيّ، بل يجعلونه للعقل فقط، والأشاعرة ينفون العقليّ، ويجعلونه كله شرعيًّا، وكلا الطرفين إفراط وتفريط، والحق مذهب السلف، وهو أن العقل له تحسين وتقبيح، ولكن ذلك لا بدّ أن يستند إلى الشرع، فهو لا يستقلّ به، فالحقّ إثبات التحسين والتقبيح الشرعيّ