شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي ذَرٍّ) جندب بن جُنادة -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: يَا أَبَا ذَرٍّ لَأَنْ) اللام لام الابتداء، و"أَن" بفتح الهمزة، وسكون النون مصدريّة (تَغْدُوَ) صلة "أن" والمصدر المؤوّل مبتدأ خبره قوله: "خير".
وهو كقوله -عز وجل-: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]، و"غدا يغدو" من باب قعد: ذهب غُدْوة، وهي ما بين صلاة الصبح، وطلوع الشمس، وجمعه غُدًى، مثلُ مُدية ومُدى، هذا أصله، ثم كثُر حتى استُعمل في الذهاب، والانطلاق أيَّ وقتٍ كان، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "واغدُ يا أُنيس"، أي وانطلق (?).
والمعنى هنا خروجك من بيتك غُدْوَةً، أي صباحًا (فَتَعَلَّمَ) يحتمل أن يكون بفتح التاء، وسكون العين، وفتح اللام، من العلم ثلاثيّا، ويحتمل أن يكون من التعلّم، فيكون من باب حذف إحدى التاءين، وأصله، فتتعلّم، كما قال في "الخلاصة":
وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا كَتبَيَّنُ الْعِبَرْ
والاحتمال الثاني أظهر معنى (آيَةً) منصوب على المفعوليّة (مِنْ كتَابِ اللهِ) أي القرآن العظيم (خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكعَةٍ) أي نافلةً؛ لأن تعلّم الآية فرض، ولو على سبيل الكفاية، بخلاف الصلاة النافلة (وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ) بالضبطين المذكورين (بَابًا) أي نوعًا (مِنْ الْعِلْمِ) الشرعيّ، سواء كان الأصل، وهو كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو فرعًا، وهي الوسائل، كمعرفة القواعد العربيّة، من النحو والصرف، والاشتقاق، والبلاغة، وغيرها (عُمِلَ بِهِ) ببناء الفعل للمفعول، أي سواء عَمِلَ به الناس في الحال؛ لأنه سيُعمل به في المآل (أَوْ لَمْ يُعْمَلْ) بالناء للمفعول أيضًا، أي أو لم يَعْمَل به أحدٌ في الحال أيضًا، وقال السنديّ، أي سواء كان علمًا متعلّقًا بكيفيّة العمل، كالفقه، أو لا بأن يكون متعلّقا بالاعتقاد مثلًا، وليس المراد أن يكون علمًا لا يُنتفع به.