إلى الجنة الحمادون، الذين يَحمدون الله على السراء والضراء.
وقوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} جعله ثناء، وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} جعله تمجيدًا، وقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} حمد مطلق، فإن الحمد اسم جنس، والجنس له كمية وكيفية، فالثناء كميته، وتكبيره وتعظيمه كيفيته، والمجد هو السعة والعلو، فهو يعظم كيفيته وقدره، وكميتَهُ المتصلة، وذلك أن هذا وصف له بالملك، والملك يتضمن القدرة، وفعل ما يشاء، و {الْحَمْدُ لِلَّهِ} وصف بالرحمة المتضمنة لإحسانه إلى العباد بمشيئته وقدرته أيضًا، والخير يحصل بالقدرة والإرادة التي تتضمن الرحمة، فإذا كان قديرًا مريدًا للإحسان حصل كل خير، وإنما يقع النقص لعدم القدرة، أو لعدم إرادة الخير، فالرحمن الرحيم الملك قد اتصف بغاية إرادة الإحسان، وغاية القدرة، وذلك يحصل به خير الدنيا والآخرة.
وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} مع أنه ملك الدنيا؛ لأن يوم الدين لا يَدَّعِي أحد فيه منازعة، وهو اليوم الأعظم، فما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع، والدين عاقبة أفعال العباد، وقد يدل بطريق التنبيه، وبطريق العموم عند بعضهم على ملك الدنيا، فيكون له الملك، وله الحمد كما قال تعالى: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: 1]، وذلك يقتضي أنه قادر على أن يَرْحَم، ورحمته وإحسانه وصف له يحصل بمشيئته، وهو من الصفات الاختيارية.
وفي "الصحيح" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُعَلِّم أصحابه الاستخارة الأمور كلها، كما يُعَلِّمهم السورة من القرآن، يقول: "إذا همَّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر، ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسميه باسمه- حيرًا لي في ديني ودنياي، ومعاشي، وعاقبة أمري، فاقدره لي، ويَسِّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شَرٌّ لي