بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه، ومن شر عباد ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون"، ويدل على ذلك قوله: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} [الإسراء: 54]، فعلق الرحمة بالمشيئة، كما علق التعذيب وما تعلق بالمشيئة مما يتصف به الرب، فهو من الصفات الاختيارية.
وكذلك كونه مالكًا ليوم الدين، يوم يدين العباد بأعمالهم، إن خيرًا فخيرٌ، كان شرّا فشرّ، {ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 18، 19]، فإن الملك هو الذي يتصرف بأمر فيطاع، ولهذا إنما يقال: ملك للحي المطاع الأمر، لا يقال في الجمادات لصاحبها ملك، إنما يقال له: مالك، ويقال ليعسوب النحل: ملك النحل، لأنه يأمر فيطاع، والمالك القادر على التصريف في المملوك، وإذا كان الملك هو الآمر الناهي المطاع، فإن كان يأمر وينهى بمشيئته، كان أمره ونهيه من الصفات الاختيارية، وبهذا أخبر القرآن، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1]، وإن كان لا يأمر وينهى بمشيئته، بل أمره لازم له، حاصل بغير مشيئته ولا قدرته، لم يكن هذا مالكًا أيضا، بل هذا أولى أن يكون مملوكًا، فإن الله تعالى خلق الإنسان، وجعل له صفات تلزمه، كاللون، والطول، والعرض، والحياء، ونحو ذلك، مما يحصل لذاته بغير اختياره، فكان باعتبار ذلك مملوكًا مخلوقًا للرب فقط، وإنما يكون ملكًا إذا كان يأمر وينهى باختياره فيطاع، وإن كان الله خالقًا لفعله، ولكل شيء.
ولكن المقصود أنه لا يكون ملكًا إلا من يأمر وينهى بمشيئته وقدرته، بل من قال: إنه لازم له بغير مشيئته، أو قال: إنه مخلوق له، فكلاهما يلزمه أنه لا يكون ملكًا، وإذا لم يمكنه أن يتصرف بمشيئته لم يكن مالكًا أيضًا، فمن قال: إنه لا يقوم به فعل اختياريّ لم يكن عنده في الحقيقة مالكًا لشيء، وإذا اعتبرتَ سائر القرآن، وجدت أنه من لم يُقِرَّ بالصفات الاختيارية لم يَقُم بحقيقة الإيمان، ولا القرآن، فهذا يُبَيِّن أن الفاتحة