قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال الله: هذه بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: هؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل".
فهذه السورة فيها لله الحمد، فله الحمد في الدنيا والآخرة، وفيها للعبد السؤال، وفيها العبادة لله وحده، وللعبد الاستعانة، فحق الرب حمده وعبادته وحده، وهذان: حمد الرب وتوحيده يدور عليهما جميع الدين.
ومسألة الصفات الاختيارية، هي من تمام حمده، فمن لم يُقِرَّ بها لم يمكنه الإقرار بأن الله محمود البتة، ولا أنه رب العالمين، فإن الحمد ضد الذمّ، والحمد هو الإخبار بمحاسن المحمود، مع المحبة له، والذمّ هو الإخبار بمساوي المذموم، مع البغض له، وجماع المساوي فعل الشر، كما أن جماع المحاسن فعل الخير، فإذا كان يفعل الخير بمشيئته وقدرته استحق الحمد، فمن لم يكن له فعل اختياري يقوم به، بل ولا يقدر على ذلك، لا يكون خالقًا، ولا ربّا للعالمين.
وقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام:1]، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف:1]، ونحو ذلك، فإذا لم يكن له فعل يقوم به باختياره، امتنع ذلك كله، فإنه من المعلوم بصريح العاقل أنه إذا خلق السموات والأرض، فلابد من فعل يصير به خالقًا، وإلا فلو استمر الآمر على حال واحدة، لم يحدث فعل لكان الأمر على ما كان قبل أن يخلق، وحينئذ فلم يكن المخلوق موجودًا، فكذلك يجب أن لا يكون المخلوق موجودًا، إن كان الحال في المستقبل، مثل ما كان في الماضي لم يحدث من الرب فعلٌ، هو خلق السموات والأرض، وقد قال تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف: 51]، ومعلوم أنهم قد شَهِدوا نفس المخلوق، فَدَلّ على أن الخلق لم يشهدوه، وهو تكوينه لها وإحداثه لها غير المخلوق الباقي.
وأيضا فإنه قال: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54]،