يوجب العلم الضروريّ من دين الرسول، فإن عند الرسول والمؤمنين به أن الله يُعرَف، ويعرف توحيده، وصدق رسله بغير هذه الطريق، فدلّ الشرع دلالة ضروريةً على أنه لا حاجة إلى هذه الطريق، ودلّ ما فيها من مخالفة نصوص الكتاب والسنة على أنها طريق باطلةٌ، فدل الشرع على أنه لا حاجة إليها، وأنها باطلة.

وأما العقل فقد بَسَطَ القول في جميع ما قيل فيها في غير هذه المواضع، وبَيَّنَ أن أئمة أصحابها قد يَعترفون بفسادها من جهة العقل، كما يوجد في كلام أبي حامد، والرازيّ، وغيرهما بيانُ فسادها.

ولمّا ظهر فسادها للعقل تسلط الفلاسفة على سالكيها، وظنت الفلاسفة أنهم إذا قدحوا فيها، فقد قدحوا في دلالة الشرع، ظنّا منهم أن الشرع جاء بموجبها؛ إذ كانوا أجهل بالشرع والعقل من سالكيها، فسالكوها لا للإسلام نصروا، ولا لأعدائه كسروا، بل سلطوا الفلاسفة عليهم، وعلى الإسلام، وهذا كله مبسوط في مواضع.

وإنما المقصود هنا أن يُعرَف أن نفيهم للصفات الاختيارية التي يسمونها حلول الحوادث، ليس لهم دليل عقليّ عليه، وحُذّاقهم يعترفون بذلك، وأما السمع فلا ريب أنه مملوء بما يناقضه، والعقل أيضا يدل على نقيضه من وجوه نَبَّهنا على بعضها.

ولما لم يكن مع أصحابها حجة، لا عقلية، ولا سمعية، من الكتاب والسنة، احتال متأخروهم فسلكوا طريقًا سمعية، ظنّوا أنها تنفعهم، فقالوا: هذه الصفات إن كانت صفات نقص وجب تنزيه الرب عنها، وإن كانت صفات كمال، فقد كان فاقدًا لها قبل حدوثها، وعدم الكمال نقص، فيلزم أن يكون كان ناقصًا، وتنزيهه عن النقص واجب بالإجماع، وهذه الحجة من أفسد الحجج، وذلك من وجوه:

[أحدهما]: أن هؤلاء يقولون: نفي النقص عنه لم يُعلم بالعقل، وإنما عُلم بالإجماع، وعليه اعتمدوا في نفي النقص، فنعود إلى احتجاجهم بالإجماع، ومعلوم أن الإجماع لا يُحتج به في موارد النزاع، فإن المنازع لهم يقول: أنا لم أوافقكم على نفي هذا المعنى، كان وافقتكم على إطلاق القول بأن الله منزه عن النقص، فهذا المعنى عندي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015