"ما من عبد يموت له عند الله خير يَسُرُّه أن يرجع إلى الدنيا، وأن له الدنيا وما فيها، إِلَّا الشهيد، لِمَا يَرَى من فضل الشّهادة، فإنّه يسره أن يرجع إلى الدنيا، فَيُقْتَلَ مرّة أخرى"، وفي رواية: "ما أحدٌ يدخل الجنَّة يُحِبّ أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء إِلَّا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات؛ لما يرى من الكرامة".
فلو كان ذلك ممكنًا لكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحقّ بذلك حينما اختلف الصّحابة -رضي الله عنهم- في أمر الخلافة، واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة حتّى أنقذهم الله تعالى من الشقاق والخلاف على يدي أبي بكر -رضي الله عنه-، وحينما اعتُدي على الحسين سبطه -صلى الله عليه وسلم- في كربلاء، وحينما اعتدى أهل الشّام على أهل المدينة أيّام الحرّة، وغير ذلك ممّا جرى للصحابة -رضي الله عنه- عامّة ولأهل البيت -رضي الله عنهم- خاصّة.
وإنّما نبّهت على هذا لأنه شاع وذاع هذا الباطل، وراج بين العوامّ، بل وبين من ينسُب نفسه إلى العلم، وليس هو بعالم، وإنما علمه هواه، وليس له من كتاب الله تعالى، ولا من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا من سيرة السلف الصالح نصيب، فيقرّر هذه الخرافات في أذهان العوامّ، بل بعض أهل الضلال من متصوّفة المتأخّرين، يتبجّح بذلك بين مريديه، ويقول لهم: إن الوليّ يستطيع أن يُغيث مريده من مسيرة ألف سنة، ولا يمنعه دفنه في القبر، وأنا منهم، فلا حول ولا قوّة إِلَّا بالله، فقد بلغ الضلال من أهله هذا المبلغ، ولهذا ترى العوامّ يحسنون ظنهم بأصحاب القبور، فيطوفون بقبورهم، وينذُرون لهم، ويطلبون منهم ما شاءوا من حوائجهم؛ لأنهم يرونهم قادرين على ذلك، وهذا هو الشرك العظيم، وهذا هو الضلال، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} فإنّه لله وإنا إليه راجعون، اللَّهُمَّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن تولّيت، اللَّهُمَّ أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه آمين آمين آمين، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.