والجواب عن قولهم: لو صحّت رؤية الله تعالى إلخ أن عدم الوقوع لا يستلزم عدم الجواز، فإن قالوا: الرؤية لا تتحقّق إِلَّا بثمانية أشياء: سلامة الحاسّة، وكون الشيء بحيث يكون جائز الرؤية، وأن يكون المرئيّ مقابلًا للرّائي، أو في حكم المقابل، فالأول كالجسم المحاذي للرائي، والثّاني كالأعراض المرئيّة، فإنها ليست مقابلة للرائي؛ إذ الْعَرَض لا يكون كمقابلًا للجسم، ولكنّها حالّةٌ في الجسم المقابل للرائي، فكان في حكم المقابل، وأن لا يكون المرئيّ في غاية القرب، ولا في غاية البعد، وأن لا يكون في غاية الصغر، ولا في غاية اللطافة، وأن لا يكون بين الرائي والمرئيّ حجاب.
قلنا: الشرائط الستة الأخيرة لا يمكن اعتبارها إِلَّا في الأجسام، والله تعالى ليس بجسم، فلا يمكن اعتبار هذه الشرائط في رؤيته، ولا يُعتبر في حصول الرؤية إِلَّا أمران: سلامة الحاسّة، وكونه بحيث يصحّ أن يُرَى، وهذان الشرطان حاصلان.
[فإن قلت]: الكاف في "كما ترون" للتشبيه، ولا بُدّ أن تكون مناسبة بين الرائي والمرئي.
[أجيب]: بأن معنى التشبيه فيه أنكم ترونه رؤية محقّقة لا شكّ فيها ولا مشقّة ولا خفا كما ترون القمر كذلك، فهو تشبيه للرؤية بالرؤية، لا المرئيّ بالمرئيّ. قاله العينيّ رحمه الله (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وهو تحقيق حسنٌ، إِلَّا قوله: "والله تعالى ليس بجسم"، ففيه نظرٌ لا يخفى؛ لأن هذا ممّا لم يرد به نصٌّ، لا بالإثبات، ولا بالنَّفْي، فلا ينبغي التعرّض له لا بالنَّفْي، ولا بالإثبات، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال الإمام البخاريّ رحمه الله: "باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} الآية [القيامة: 22، 23].
قال في "الفتح": كأنه يشير إلى ما أخرجه عبد بن حميد، والتِّرمذيُّ، والطّبريّ،