يسكن إِلَّا معهم، وفيه إبطال لزعم بعضهم أنه سيسكن مكّة بعد فتحها.
وقال الخطّابيّ رحمه الله: لمّا كانت العادة أن المرء يكون في نزوله، وارتحاله مع قومه، وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشِّعَاب، فإذا تفرّقت في السَّفر الطرُقُ سلك كلُّ قوم منهم واديّا وشِعْبًا، فأراد أنه مع الأنصار، قال: ويحتمل أن يُريد بالوادي المذهب كما يقال: فلان في وادي فلان، وأنا في واد. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: المعنى الأوّل هو الظّاهر، فتأمّله، والله تعالى أعلم.
(وَلَوْلَا الهجْرَةُ) أي لولا شرفها، وجلالة قدرها عند الله تعالى (لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصارِ") أي لعددت نفسي واحدًا منهم؛ لكمال فضلهم وشرفهم بعد فضل الهجرة وشرفها، والمقصود الإخبار بما لهم من المزيّة بعد مزيّة الهجرة، وأنها مزيّة يرضى بها مثله، وإلا فالانتقال لا يُتصوّر، سيّما الانتساب، فإنّه حرام دينًا أيضًا (?).
وقال الخطابيّ رحمه الله: أراد بهذا الكلام تألُّفَ الأنصار، واستطابة نفوسهم، والثناء عليهم في دينهم، حتّى رضي أن يكون واحدًا منهم، لولا ما يمنعه من الهجرة الّتي لا يجوز تبديلها، ونسبةُ الإنسان تقع على وجوه: منها: الولادة، والبِلادية، والاعتقادية، والصناعية، ولا شك أنه لم يُرِد الانتقال عن نسب آبائه؛ لأنه ممتنع قطعًا، وأما الاعتقاديّ فلا معنى للانتقال فيه، فلم يبق إِلَّا القسمان الأخيران، وكانت المدينة دار الأنصار، والهجرة إليها أمرًا واجبًا، أي لولا أن النسبة الهجرية لا يَسَعُني تركها لانتسبت إلى داركم، قال: ويحتمل أنه لمّا كانوا أخواله؛ لكون أم عبد المطلب منهم، أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة، لولا مانع الهجرة.
وقال ابن الجوزيّ رحمه الله: لم يرد -صلى الله عليه وسلم- تَغيِيرَ نسبه، ولا مَحْوَ هجرته، وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب إلى المدينة، وإلى نصرة الدين، فالتقدير لولا أن