كان ذلك وجب علينا الاعتراف بحقوقهم، والشكر لهم على عظيم أياديهم، قيامًا بما أوجبه الله تعالى من شكر النعم، واجتنابًا لِمَا حرَمه من كُفران حقّه، هذا مع ما تحقّقنا من ثناء الله تعالى عليهم، وتشريفه لهم، ورضاه عنهم، كقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} إلى قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 18 - 29]، وقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 100]، وقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8]، إلى غير ذلك، وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين" إلى غير ذلك من الأحاديث المتضمّنة للثناء عليهم -رضي الله عنهم- أجمعين.

وعلى هذا فمن تعرَّضَ لسبّهم، وجَحَدَ عظيم حقِّهِم، فقد انسلخ من الإيمان، وقابل الشكر بالكفران، ويكفي في هذا الباب ما رواه الترمذيّ من حديث عبد الله بن مُغَفَّل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تتّخِذوهم غَرَضًا بعدي، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه"، قال الترمذيّ: حديث غريب، وهذا الحديث وإن كان غريب السند، فهو صحيح المتن؛ لأنه معضود بما قدّمناه من الكتاب والسنّة، والمعلوم من دين الأمّة؛ إذ لا خلاف في وجوب احترامهم، وتحريم سبّهم، ولا يُختَلف في أن من قال: إنهم كانوا على كفر أو ضلال كافر يُقتَل؛ لأنه أنكر معلومًا ضروريًّا من الشّرع، فقد كذّب الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبرا به عنهم، وكذلك الحكم فيمن كفّر أحد الخلفاء الأربعة، أو ضلَّلَهم، وهل حكمه حكم المرتدّ، فيُستتاب، أو حكم الزنديق فلا يُستتاب، ويُقتل على كلّ حال؟

هذا ممّا يُختلَف فيه، فأمّا من سبّهم بغير ذلك، فإن كان سبّا يُوجب حدّا كالقذف حُدّ حَدَّه، ثمّ يُنكَّل التنكيل الشديد من الحبس والتخليد فيه، والإهانة ما خلا عائشة رضي الله عنها، فإن قاذفها يُقتَل؛ لأنه مكذّب لما جاء في الكتاب والسنّة من براءتها، قاله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015