لنا منه أن الصّحيح في رواية ابن ماجه ما وقع في بعض النسخ من قوله: "عن أبي سعيد"، لا ما وقع في بعضها من قوله: "عن أبي هريرة"، فإنّه غلطٌ، وتبيّنّا منه أيضًا أن ما وقع في "صحيح مسلم" من قوله: "عن أبي هريرة" الغلط فيه ممّن دون مسلم، لا منه، لما ذكره الحافظ من الحجج، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب.

(قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي) وقع في رواية جرير ومحاضر، عن الأعمش، وكذا في رواية عاصم، عن أبي صالح، ذِكرُ سببٍ لهذا الحديث، وهو ما وقع في أوله، قال: "كان بين خالد بن الوليد، وعبد الرّحمن بن عوف شيءٌ، فَسَبَّهُ خالد ... " فذكر الحديث.

(فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أقسم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- تعظيمًا للأمر الّذي نَهَى عنه، فإنّه خطيرٌ جدًّا؛ إذ منصب الصّحابة -رضي الله عنهم- أرفع وأعلى، كما أشار إليه بقوله: (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ) فيه إشعار بأن المراد بقوله أوَّلًا: "أصحابي" أصحاب مخصوصون، وإلا فالخطاب كان للصحابة، وقد قال: "لو أنّ أحدكم أنفق"، وهذا كقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الآية [الحديد: 10]، ومع ذلك فنَهْيُ بعضِ من أدرك النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يَقتَضِي زجرَ من لم يدرك النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب الأولى، وغَفَل مَنْ قال: إن الخطّاب بذلك لغير الصّحابة، وإنما المراد من سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل تَنْزيلًا لمن سيوجد مَنْزلة الموجود؛ للقطع بوقوعه، ووجه التعقب عليه وقوعُ التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد، وهو من الصّحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق.

(أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا) زادْ الْبَرْقَانيّ في "المصافحة" من طريق أبي بكر بن عياش، عن الأعمش: "كُلَّ يوم"، قال: وهي زيادة حسنة.

(مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ) "المد" بضم الميم: مكيال معروف، وحكى الخطابي أنه رُوي بفتح الميم، قال: والمراد به الفضل والطَّوْل. قاله في "الفتح": وقال في "المصباح": "المدّ" بالضمّ كيلٌ، وهو رطلٌ وثُلُث عند أهل الحجاز، فهو ربع صاع؛ لأن الصاع خمسة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015