يكن يفضّل عليه في وصف الصدق، وهو لا يمنع المساواة، وهذا مبنيّ على أن المساواة في وصف الصدق مع الأنبياء جائزة، ولا بُعد فيها عقلًا، أو المراد أنه لا يزيد عليه أحد من جنسه في الصدق، وأما الأنبياء فلا كلام فيهم، بل معلومون برتبتهم.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الاحتمال الأخير هو الصواب، وأما الّذي قبله، فليس بشيء، فتأمّله بإنصاف. والله تعالى أعلم.

وقيل: يمكن أن يُراد به أنه لا يذهب إلى التورية والمعاريض في الكلام، فلا يرخي عِنَان كلامه، ولا يُواري مع النَّاس، ولا يسامحهم، ويُظهر لهم الحقّ البحت، والصدق المحض. انتهى (?).

وفيه منقبة عظيمة لأبي ذرٍّ -رضي الله عنه-، وأنه كان ناطقًا بالحقّ، لا يخاف في الله لومة لائم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما هذا صحيحٌ.

[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفيه عثمان بن عمير، وهو ضعيف، كما سبق في ترجمته؟

[قلت]: إنّما صحّ؛ لشواهده، فقد روي من حديث أبي ذرّ -رضي الله عنه- نفسه، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وعليّ -رضي الله عنه-:

فأما حديث أبي ذرّ -رضي الله عنه-، فأخرجه الترمذيّ (3802) وابن حبَّان (7132) والحاكم 3/ 342 من طريق مالك بن مرثد بن عبد الله، عن أبيه، عنه، وقال الترمذيّ: حسن غريب، وصحّحه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبيّ، وفيه نظر؛ لأن مرثد ابن عبد الله الزِّمّانيّ، ويقال: الذِّماريّ، مجهول، تفرّد بالروية عنه ابنه، وذكره العقيليّ في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015