شرح الحديث:
(عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ) -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: لَقَدْ أُوذِيتُ) بضمّ أوله، وكسر ثالثه، فعلٌ ونائب فاعله (في الله) أي في سبيل الدعوة إلى الله تعالى (وَمَا يُؤْذَى) بالبناء للمفعول (أَحَدٌ) أي منكم، وذلكَ لكون منزلته عند الله أرفع المنازله، فأُوذي على قدر رفعة منزلته، فقد أخرج الترمذيّ في "كتاب الزهد" (2322) والمصنّف في "كتاب الفتن" (4023) بإسناد صحيح، من طريق مُصْعَب بن سعد، عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أيُّ النَّاس أشد بلاءً؟، قال: الأنبياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، يُبتَلى العبد على حسب دينه، فإن كان في دينه صلْبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رِقًّةٌ ابتُلي على حسب دينه، فما يَبْرَح البلاء بالعبد، حتّى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه من "خطيئة". قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.
(وَلَقَدْ أُخِفْتُ) فعل ونائب فاعله أيضًا (في الله، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَالِثَةٌ) أي ليلة ثالثة، ولفظ الترمذيّ: "ولقد أتت عليّ ثَلاثون ما بين يوم وليلة ... " (وَمَا لِي وَلبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كبِدٍ) بفتح، فكسر: أي يأكله حيّ (إِلَّا مَا وَارَى) من المواراة، أي إِلَّا ما أخفاه (إِبِطُ بِلَالٍ) بكسر الهمزة، وسكون الباء الموحدة: ما تحت الجناح، ويُذكّر ويؤنثُ، فيقال: هو الإبط، وهي الإبط، والجمع آباط، مثلُ حِمْلٍ وأَحْمال، ويزعُمُ بعض المتأخّرين أن كسر الباء لغةٌ، وهو غير ثابت. قاله الفيّوميّ (?).
قال: الإمام الترمذيّ رحمه الله بعد إيراد الحديث: ما نصّه: ومعنى الحديث هذا حين خرج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هاربًا من مكّة، ومعه بلالٌ إنّما كان مع بلال من الطّعام ما يحمله تحت إبطه. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.