الأكثر في الاستعمال بالهمزة، والمعنى: أنهم وافقوهم (عَلَى مَا أَرَادُوا) أي المشركون من ترك إظهار الإسلام تقيّةً، والتقيّة في مثل هذا جائزة، لقوله -عَزَّ وَجَلَّ- {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، (إِلَّا بِلَالًا) -رضي الله عنه- (فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ في الله) أي صغُرت، وحقرت عنده لأجل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أخذًا بالعزيمة (وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ) أي فلَم يمنعوه؛ لأنه ليس من أنفسهم، وإنّما هو من الموالي (فَأَخَذُوهُ) أي أخذه مواليه من المشركين (فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ) بكسر الواو، وسكون اللام، جمع وَليد، أي الصبيان، والعبيد (فَجَعَلُوا) أي شرع الولدان (يَطُوفُونَ بِهِ في شِعَابِ مَكَّةَ) بكسر الشين المعجمة، جمع شِعْب بكسر فسكون، وهو الطريق في الجبل، أو مسيل الماء في بطن أرض، أو ما انفرج بين الجبلين، قاله في "القاموس" (وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ) جملة في محلّ نصب على الحال، أي والحال أن بلالًا يقول في حال طوافهم به: أحدٌ أحدٌ، أي ربي أحد، لا رب لي سواه، فلا أعبد ما تعبدون، ولا أوافقكم فيما طلبتموه، بل كان يقول لهم: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها، وقال ابن إسحاق: كان أُمَيّة بن خَلَف يخرج بلالًا إذا حَمِيَت الظهيرة، فَيَطْرَحه على ظهره في بطحاء مكّة، ثمّ يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثمّ يقول: لا يزال على ذلك حتّى يموت، أو يكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فيقول، وهو في ذلك: أحدٌ أحدٌ، فَمَرّ به أبو بكر -رضي الله عنه-، فاشتراه منه بعبد له أسود جَلْدٍ. انتهى، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- هذا صحيح.
(المسألة الثّانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) رحمه الله هنا (24/ 150) فقط، وهو من أفراده، فلم يُخرجه من أصحاب الأصول غيره، وأخرجه (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" 12/ 149 و (أحمد) في "مسنده" 1/ 404 وفي "فضائل الصّحابة" (191) و (ابن حبّان) في "صحيحه"