شرح الحديث:

(عَنْ عَبْدِ الله) بن مسعود -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذْنُكَ عَلَيَّ) بالرفع خبر مقدّم لـ "أن ترفع"، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره "أن ترفع"، والأول أولى؛ لأن ما سُبك من "أن" و"أن" بمنزلة الضمير (أَنْ تَرْفَعَ الحجَابَ) ببناء الفعل للفاعل، والفاعل ضمير عبد الله، و"الحجاب" منصوب على المفعوليّة، والمعنى إذني لك في حال الدخول عليّ أن ترفع الحجاب، أي أذنت لك في رفع الحجاب، وسَمَاعِ السِّرَار.

وقال في "المجمع": أي إذنك الجمع بين رفع الحجاب ومعرفتك أني في الدَّار، ولو كنت مُسارًا لغيري، فهذا شأنك مستمرًا إلى أن أنهاك، وفيه دلالة على شرفه، وليس فيه أنه يدخل في عليّ حال حتّى على نسائه ومحارمه. وقال في "المفاتيح": أي أذنت لك أن تدخل عليّ، وأن ترفع حجابي بلا استئذان، وأن تسمع سِرَاري حتّى أنهاك عن الدخول والسماع. انتهى (?).

ووقع عند مسلم بلفظ: "أن يُرفع الحجابُ"، قال القرطبيّ رحمه الله: مبنيّ لما لم يُسمّ فاعله، ولا يجوز غيره، وسببه أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- جعل لعبد الله إذنًا خاصًّا به، وهو أنه إذا جاء بيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فوجد الستر قد رُفع دخل من غير إذن بالقول، ولم يَجعل ذلك لغيره إِلَّا بالقول، كما قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} الآية [النور: 27]، وقال تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} الآية [الأحزاب: 53]، ولذلك كانت الصّحابة -رضي الله عنهم- تذكر ذلك في فضائل ابن مسعود -رضي الله عنه-، فتقول: كان ابن مسعود يؤذن له إذا حُجِبنا، وكأنّ ابن مسعود كان له من التبسّط في بيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- والانبساط ما لم يكن لغيره؛ لما علمه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من حاله، ومن خُلُقه، ومن إِلْفِه لبيته. انتهى (?).

(وَأَنْ تَسْمَعَ) وفي نسخة: "تستمع" (سِوَادِي) قال النوويّ رحمه الله: "السِّواد"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015