لترى رأيه فيه، فأشار عليّ بكذا: أراني ما عنده فيه من المصلحة، فكانت إشارةً حسنةً، والاسم الْمَشُورة، ويقال: إن الْمشُورة من شار الدابّةَ: إذا عَرَضَها في "الْمِشْوَار" وهو محلّ إجرائها لعرضها للبيع، ويقال: من شُرْتُ العسلَ من باب قال: إذا جَنَيته، شبّهَ حُسْنَ النصيحة بشرب العسل. أفاده الفيّوميّ (?).

(لَاسْتَخْلَفْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ) أي عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، فأمّ عبد هي أمّه، اشتهر بالنسبة إليها، وقد سبق أنها أسلمت، وصحِبت.

قال التُورِبِشتيّ رحمه الله: لا بدّ أن يأوّل هذا الحديث على أنه -صلى الله عليه وسلم- أراد به تأميره على جيش بعينه، أو استخلافه في أمر من أموره في حال حياته، ولا يجوز أن يُحمل على غير ذلك، فإنّه وإن كان من العلم والعمل بمكان، وله الفضائل الجَمَّة، والسوابق الجليلة، فإنّه لم يكن من قُريش، وقد نصّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن هذا الأمر في قريش، فلا يصلح حمله إِلَّا على الوجه الّذي ذكرناه. انتهى (?).

وقال السنديّ رحمه الله: يحتمل أن يكون هذا الحديث قبل التنصيص على أن هذا الأمر في قريش، على أن سوق الحديث لإفادة أن ما يُحتاج إلى المشورة ممّا يتوقّف عليه أمر الاستخلاف من الكمالات كلّها موجودة في ابن مسعود وجودًا بيّنًا بحيث لا حاجة في استخلافه إلى مشورة لمعرفة تلك الكمالات، وهذا لا ينافي عدم صحّة استخلافه؛ لعدم كونه من قريش، فليُتأمل. انتهى كلام السنديّ (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الّذي قاله السنديّ رحمه الله تعالى تحقيقٌ نفيس جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015