الأمانة، بحيث شهِد له بذلك الرسول المعصوم الّذي لا يفعل إِلَّا حقًّا، ولا يقول إِلَّا صدقًا، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]، وصار له ذلك الاسمَ والعلمَ المعلوم، وقد ظهر ذلك من حاله للعيان (?)، حتّى استوى في معرفته كلّ إنسان، وذلك أن عمر -رضي الله عنه- لَمَّا قَدِم الشّام مُتفقّدًا أحوال النَّاس والأُمراء، ودخل منازلهم، وبحث عنهم أراد أن يدخل منزل أبي عبيدة، وهو أمير على الشّام قد فُتحت عليه بلاده، وترادفت عليه فتوحاته وخيراته، واجتمعت له كنوزه وأمواله، فلما كلّمه عمر -رضي الله عنه- في ذلك، قال له: يا أمير المؤمنين والله لئن دخلت منزلي لتعصِرَنّ عينيك، فلما دخل منزله لم يجد فيه شيئًا يرُدّ البصر أكثر من سلاحه، وأداة رحل بعيره، فبكى عمر -رضي الله عنه-، وقال: صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنت أمين هذه الأمّة"، أو كما قال.

وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر كلّ أحد من أعيان أصحابه -صلى الله عليه وسلم- بما غلب عليه من أوصافه، وإن كانوا كلّهم فضلاء علماء حكماء مختارين لمختار، فقد صحّ عنه -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذيّ، وابن ماجه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعًا: "أرحم أُمَّتي بأمتي أبو بكر، وأشدّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضهم زيد، وأقرؤهم أُبيّ، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة" (?).

وأخرج الترمذيّ (3801) وابن ماجة (156) أيضًا من حديث عبد الله بن عمرو: "ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذرّ" (?).

2 - (ومنها): أن في قصة أهل نجران هذه أن إقرار الكافر بالنبوة لا يُدخله في الإسلام، حتّى يلتزم أحكام الإسلام.

3 - (ومنها): بعث الإمام الرَّجل العالم الأمين إلى أهل الْهُدْنة في مصلحة الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015