وبالبصرة سعيد بن العاص، وبمصر عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، وبخراسان عبد الله ابن عامر، وكان مَنْ حَجّ منهم يشكو من أميره، وكان عثمان لَيِّنَ العَرِيكة (?)، كثير الإحسان والحلم، وكان يستبدل ببعض أمرائه فيرضيهم، ثم يعيده بعدُ إلى أن رحل أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح، فعزله وكتب له كتابًا بتولية محمد بن أبي بكر الصديق، فرضوا بذلك، فلما كانوا في أثناء الطريق رأوا راكبا على راحلة، فاستخبروه، فأخبرهم أنه من عند عثمان باستقرار ابن أبي سرح، ومعاقبة جماعة من أعيانهم، فأخذوا الكتاب ورجعوا، وواجهوه به، فحلف أنه ما كتب ولا أذن، فقالوا: سَلِّمْنا كاتبك، فخَشِي عليه منهم القتل، وكان كاتبه مروان بن الحكم، وهو ابن عمه، فغضبوا وحصروه بها داره، واجتمع جماعة يَحمُونه منهم، فكان ينهاهم عن القتال إلى أن تسوروا عليه من دار إلى دار، فدخلوا عليه فقتلوه، فعظم ذلك على أهل الخير من الصحابة وغيرهم، وانفتح باب الفتنة، فكان ما كان، والله المستعان (?).
وقد ساق الإمام ابن حبّان رحمه الله قصّة قتله مطوّلة في "صحيحه"، فقال رحمه الله تعالى: أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم، مولى ثقيف، حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرقي، وأحمد بن المقدام، قالا: حدّثنا المعتمر بن سليمان، حدثنا أبي، حدثنا أَبو نَضْرَة، عن أبي سعيد، مولى أبي أُسَيد الأنصاري، قال: سمع عثمان أن وفد أهل مصر قد أقبلوا، فاستقبلهم، فلما سمعوا به، أقبلوا نحوه إلى المكان الذي هو فيه، فقالوا له: ادع المصحف، فدعا بالمصحف، فقال له: افتح السابعة، قال: وكانوا يُسَمُّون "سورة يونس" السابعة، فقرأها حتى أتى على هذه الآية: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] قالوا له: قِفْ أرأيت ما حميتَ من الحمى آلله أذن لك به أم على الله