من أهل الجنة، وأنه لا يدخل أحدٌ منهم النار؛ لأنهم المخاطبون بالآية السابقة.
[فإن قيل]: التقييد بالإنفاق والقتال يُخرج من لم يتّصف بذلك، وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة، وهي قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} الآية [التوبة: 100] يخرج من لم يتّصف بذلك، وهي من أصرح ما ورد في المقصود، ولهذا قال المازريّ في "شرح البرهان": لسنا نعني بقولنا: الصحابة عدول كلَّ من رآه - صلى الله عليه وسلم - يومًا ما، أو زاره لامًا، أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كَثَب، وإنما نعني به الذين لازموه وعزّروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون، انتهى.
[والجواب عن ذلك] أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب، وإلا فالمراد من اتّصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوّة، وأما كلام المازريّ فلم يُوافَق عليه، بل اعترضه جماعة من الفضلاء. وقال الشيخ صلاح الدين العلائيّ: هو قول غريب، يُخرج كثيرًا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة، كوائل بن حُجْر، ومالك ابن الحويرث، وعثمان بن أبي العاص، وغيرهم، ممن وفد عليه -صلى الله عليه وسلم-، ولم يُقم عنده إلا قليلًا وانصرف، وكذلك من لم يُعرف إلا برواية الحديث الواحد، ولم يُعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل، والقول بالتعميم هو الذي صرّح به الجمهور، وهو المعتبر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد كان تعظيم الصحابة -رضي الله عنهم- ولو كان اجتماعهم به -صلى الله عليه وسلم- قليلًا مقرّرًا عند الخلفاء الراشدين وغيرهم، فمن ذلك ما أخرجه الحافظ في مقدمة "الإصابة" بسند رجاله ثقات، من طريق زهير بن معاوية، عن الأسود بن قيس، عن نُبيح الْعَنَزيّ، قال: كنا عند أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، وهو متكىء، فذكرنا عليّا ومعاوية، فتناول رجل معاوية، فاستوى أبو سعيد الخدريّ جالسًا، ثم قال: كنا ننزل رِفاقًا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكنا في رفقة فيها أبو بكر، فنزلنا على أهل أبيات، وفيهم امرأة حُبلى، ومعنا رجل من أهل البادية، فقال للمرأة الحامل: أيسرّك أن تلدي غلامًا؟ قالت: نعم، قال: إن أعيطتني