(يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا) أي يدخلونها، ويتنعّمون بها (خَلَقَهُمْ لهَا) قال الطيبيّ: كرّر "خلق" لإناطة أمر زائد عليه، وهو قوله: "وهم في أصلاب آبائهم" اهتمامًا بشأنه، كما قال زهير [من البسيط]:
مَنْ يَلْقَ يَوْمًا عَلَى عِلَّاتِهِ هَرِمًا ... يَلْقَ السَّمَاحَةَ مِنْهُ وَالنَّدَى خُلِقَا
عِلاَته بكسر العين: أي على كلّ حال، و"هرمًا" اسم رجل، وكرّر "يَلْقَ"، وعلّق به السماحة والندى اهتمامًا به.
وقوله: (وَهُمْ في أَصْلَابِ آبائهم) أي قبل أن يولدوا، والجملة حالٌ. قيل: عيّن في الأزل من سيكون من أهل الجنّة، ومن سيكون من أهل النار، فعبّر عن الأزل بأصلاب الآباء تقريبًا لأفهام العامّة. وقال الطبيّ: ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "وهم في أصلاب آبائهم" خلق الذرّيّة في ظهر آدم عليه السلام، وإخراجها ذرّيّةً بعد ذُرّيّة من صلب كل والد إلى انقراض العالم (?).
(وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا) فيه إيماء إلى أنه لا اعتراض، فإنهم أهل لها أهليّة لا يعلمها إلا خالقها (خَلَقَهُمْ لهَا وَهُمْ في أَصْلَابِ آبائهم) أي وإنما يظهر منهم من الأعمال ما قُدّر لهم في الأزل.
وقال القرطبيّ: هذا لا يعارض ما تقدّم من أنه يُكتب، وهو في بطن أمه شقيّ أو سعيدٌ؛ لما قدّمناه من أن قضاء الله وقدره راجعٌ إلى علمه وقُدرته، وهما أزليّان، لا أول لهما، ومقصود هذه الأحاديث كلِّها أن قدر الله سابق على حدوث المخلوقات، وأن الله تعالى يظهر من ذلك ما شاء لمن شاء متى شاء قبل وجود الأشياء. انتهى (?). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.