بقوله: "فحَجَّ آدم موسى"، تنبيهًا على ما قصدناه من أن تحرّي قصد الأمور هو الصواب، ثم إنه -صلى الله عليه وسلم- ختم الحديث بقوله: "فحجّ آدم موسى" بعد افتتاحه، وبيانه بقوله: "قال موسى: أنت آدم" إلى آخر الحديث مجملًا أوّلًا، ومفصّلًا ثانيًا، ومُعيدًا له ثالثًا؛ تنبيهًا على أن بعض أمته، من المعزلة ينكر حديث القدر، فاهتم لذلك، وبالغ في الإرشاد (?). انتهى كلام الطيبيّ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فيما قاله أهل العلم في هذا الحديث من المباحث المفيدة المكملة لما سبق من الفوائد:

قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر: هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في إثبات القدر، وأن الله قضى أعمال العباد، فكل أحد يصير لما قُدِّر له بما سبق في علم الله، قال: وليس فيه حجة للجبرية، وإن كان في بادىء الرأي يساعدهم.

وقال الإمام الخطابي رحمه الله في "معالم السنن": يَحسَب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر يستلزم الجبر، وقهرَ العبد، ويَتَوَهّم أن غلبة آدم كانت من هذا الوجه، وليس كذلك، وإنما معناه الإخبار عن إثبات علم الله بما يكون من أفعال العباد، وصدورها عن تقدير سابق منه، فإن القدر اسم لما صَدَرَ عن فعل القادر، وإذا كان كذلك، فقد نُفي عنهم من وراء علم الله أفعالهم، وأكسابهم، ومباشرتهم تلك الأمور عن قصد وتعمد واختيار، فالحجة إنما تلزمهم بها، واللائمة إنما تتوجه عليها.

وجِمَاعُ القول في ذلك أنهما أمران لا يُبَدّل أحدهما عن الآخر، لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هدم البناء ونقضه.

وإنما كان موضع الحجة لآدم على موسى أن الله سبحانه وتعالى إذ كان عَلِمَ من آدم أنه يتناول من الشجرة، ويأكل منها، فكيف يمكنه أن يرد علم الله فيه، وأن يبطله بعد ذلك، وبيان هذا في قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015