ليس عليك حرج (أَنْ تَأْتِيَ أَخِي) أراد به أخوّة الإسلام؛ لأنه ليس بينهما نسبٌ؛ لأن أُبيّ ابن كعب -رضي الله عنه- أنصاريّ خزرجيّ، وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- مهاجريّ هُذَليّ (عَبْدَ اللَّهَ بْنَ مَسْعُودٍ) الصحابيّ المشهور صاحب السجادة، والمِخَدّة، والنعلين، والطهور، تقدّمَت ترجمته في 2/ 19 (فَتَسْأَلَهُ) أي عما سألتني عنه ليتأكّد لك الجواب، وهذا فيه أن أبيّا -رضي الله عنه- يعلم أن ابن مسعود -رضي الله عنه- لا يخالفه فيه، حيث إنه من الأمور المسلّمة لدى الصحابة -رضي الله عنهم-، فإنهم مجمعون على وجوب الإيمان بالقدر.

قال ابن الديلميّ رحمه الله (فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّه) أي ابن مسعود -رضي الله عنه- (فَسَأَلْتُهُ، فَذَكَرَ) أي ابن مسعود -رضي الله عنه- (مِثْلَ مَا قَالَ أُبَيّ) بن كعب -رضي الله عنه-، أي مثل جوابه في سؤالي له (وَقَالَ) أي ابن مسعود -رضي الله عنه- (لِي: وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ حُذَيْفَةَ) بن اليمان الصحابيّ الجليل، صاحب سرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت في "صحيح مسلم" أنه -صلى الله عليه وسلم- أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة، وأبوه أيضًا صحابيّ، واسمه حِسْل بكسر فسكون، أو حُسيل مصغّرًا، واليمان لقبه، استُشهِد بأحد رضي الله عنهما، وقد تقدّمت ترجمة حذيفة -رضي الله عنه- في 7/ 49 (فَأَتَيْتُ حُذيْفَةَ) -رضي الله عنه- (فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَا) أي أبيّ وابن مسعود رضي الله عنهما (وَقَالَ) أي حذيفة -رضي الله عنه- (ائْتِ زيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) -رضي الله عنه-، سبقت ترجمته مع رجال الإسناد (فَاسْأَلْهُ، فَأَتيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ) أي زيد -رضي الله عنه- (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لَوْ أَنَّ اللَّه عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لهُمْ مِنْ أَعْمَالهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا، تُنْفِقُهُ في سَبِيلِ اللَّه، مَا قَبِلَهُ مِنْكَ حَتَى تُؤْمِنَ بالْقَدَرِ كُلِّهِ، فَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لم يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ") فظهر بهذا أن حديث الثلاثة: أُبيّ، وابن مسعود، وحُذيفة -رضي الله عنهم- موقوفٌ، وحديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه- مرفوع. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015