(الثالث): جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله، واقتسام الدرجات بالأعمال.
(الرابع): أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير، والثواب لا يَنْفَد، فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل، لا بمقابلة الأعمال.
وقال الكرماني: الباء في قوله {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] ليست للسببية، بل للإلصاق، أو المصاحبة: أي أورثتموها ملابسة، أو مصاحبة، أو للمقابلة، نحو أَعطيتُ الشاة بالدرهم، وبهذا الأخير جزم الشيخ جمال الدين ابن هشام في "المغني"، فسبق إليه، فقال: تَرِدُ الباء للمقابلة، وهي الداخلة على الأعواض، كاشتريته بألف، ومنه: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] وإنما لم تُقَدَّر هنا للسببية كما قالت المعتزلة (?)، وكما قال الجميع في: "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" لأن المُعْطِي بعوض قد يعطي مَجّانًا، بخلاف المسبب فلا يوجد بدون السبب، قال: وعلى ذلك ينتفي التعارض بين الآية والحديث.
وقد سبقه إلى ذلك ابن القيم، فقال في كتاب "مفتاح دار السعادة": الباء المقتضية للدخول غير الباء الماضية، فالأولى السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول المقتضية له، كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، والثانية بالمعاوضة، نحو اشتريت منه بكذا، فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة، لأن العمل بمجرده، ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة، ولا أن يكون عوضا لها، لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله، لا يقاوم نعمة الله، بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة، فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها، وهو لم يُوَفِّها حَقَّ شكرها، فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم له، وإذا رحمه في هذه الحالة كانت