رواية - لتقيمن عليه بينة " (?) ويقول في قصة طلاق فاطمة بنت قيس: "لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت" (?)، ويزداد الموقف شدة بانقضاء الصدر الأول من الصحابة، فهذا حبر الأمة عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - لم يأذن لحديث بشير بن كعب العدوي إذ يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما رآه لا ينظر إليه ولا يستمع لحديثه قال: يا ابن عباس مالي أراك لا تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تسمع؟ . فقال ابن عباس - رضي الله عنه -: "إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرفه" (?)، هكذا مرّ عهد أصحاب رسول الله - رضي الله عنهم - بين حيطة وتوثُّق من صحة النقل، فلما ظهرت الفتنة برز التفتيش عن أحوال الرجال وما هم عليه من الصفات، يقول ابن سيرين رحمه الله: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم" (?)، وكذلك تكلم في هذا الباب جمع من التابعين منهم: الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، والإمام مالك وغيرهم، ومن هنا أصبح الإسناد أمرا لا مفرّ منه في الرواية، وما ليسله إسناد كمن لا نسبله، ومن أهمية الإسناد نشأت الرحلة إلى الأمصار، بحثا عن التوثق والعلو في الإسناد، واعتبر الأئمة ذلك من الدين، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما هو معلوم في علم الأصول، يقول ابن سيرين رحمه الله: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" (?).

ومن هنا نعلم أن الخطوط العريضة لنقد الأسانيد والمتون برزت الحاجة إليها مبكرة في عهد الأصحاب - رضي الله عنهم -، كما هو واضح مما تقدم ذكره، وهكذا نما الاعتناء بهذا الجانب العظيم، في مراحل تاريخية متفاوتة وهي أربع مراحل:

1 - عهد الأصحاب - رضي الله عنهم - وما أبدوا فيه من خطوط عريضة لقواعد الحيطة والتثبت في النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعتبر هذه المرحلة من بداية القرن الأول إلى نهايته، غير أنه لم يدون شيء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015