قَالَ: وَتَرَكَ أَبِي عَلَيْهِ دَيْنًا مِنَ التَّمْرِ فَاشْتَدَّ عَلَيَّ بَعْضُ غُرَمَائِهِ فِي التَّقَاضِي، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَبِي أُصِيبَ يَوْمَ كَذَا، وَكَذَا، وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا مِنَ التَّمْرِ، وَقدِ اشْتَدَّ عَلَيَّ بَعْضُ غُرَمَائِهِ فِي التَّقَاضِي، فَأُحِبُّ أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ لَعَلَّهُ أَنْ يُنَظِّرَنِي طَائِفَةً مِنْ تَمْرِهِ إِلَى هَذَا الصِّرَامِ الْمُقْبِلِ، فَقَالَ: «نَعَمْ، آتِيكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا مِنْ وَسَطِ النَّهَارِ» ، وَجَاءَ مَعَهُ حَوَارِيُّوهُ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ، فَدَخَلَ وَقَدْ قُلْتُ لِامْرَأَتِي: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَنِي الْيَوْمَ وَسَطَ النَّهَارِ، فَلَا أَرَيَنَّكِ، وَلَا تُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي بِشَيْءٍ، وَلَا تُكَلِّمِيهِ، فَدَخَلَ فَفَرَشَتْ لَهُ فِرَاشًا، وَوِسَادَةً، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، قَالَ: وَقُلْتُ لِمَوْلًى لِيَ: اذْبَحْ هَذِهِ الْعَنَاقَ، وَهِيَ -[421]- دَاجِنٌ سَمِينَةٌ، وَالْوَحَى، وَالْعَجَلَ افْرُغْ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَكَ، فَلَمْ نَزَلْ فِيهَا حَتَّى فَرَغْنَا مِنْهَا، وَهُوَ نَائِمٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَيْقَظَ يَدْعُو بِالطَّهُورِ، وَإِنِّي أَخَافُ إِذَا فَرَغَ أَنْ يَقُومَ، فَلَا يَفْرَغَنَّ مِنْ وُضُوئِهِ حَتَّى تَضَعَ الْعَنَاقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ قَالَ: «يَا جَابِرُ ائْتِنِي بِطَهُورٍ» فَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ طُهُورِهِ حَتَّى وَضَعْتُ الْعَنَاقَ عِنْدَهُ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ: «كَأَنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ حُبَّنَا لِلَّحْمِ، ادْعُ لِي أَبَا بَكْرٍ» قَالَ: ثُمَّ دَعَا حَوَارِيَّيْهِ الَّذِيْنَ مَعَهُ فَدَخَلُوا، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ وَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ كُلُوا» ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضَلَ لَحْمٌ مِنْهَا كَثِيرٌ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ مَجْلِسَ بَنِي سَلِمَةَ لَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْيُنِهِمْ، مَا يَقْرُبُهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْذُوهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَامَ، وَقَامَ أَصْحَابُهُ فَخَرَجُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ: «خَلُّوا ظَهْرِي لِلْمَلَائِكَةِ» ، وَاتَّبَعْتُهُمْ حَتَّى بَلَغُوا أُسْكُفَّةَ الْبَابِ، قَالَ: وَأَخْرَجَتْ امْرَأَتِي صَدْرَهَا، وَكَانَتْ مُسْتَتِرَةً بِسَفِيفٍ فِي الْبَيْتِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيَّ، وَعَلَى زَوْجِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ، وَعَلَى زَوْجِكِ» ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ لِي فُلَانًا» لِغَرِيمِي الَّذِي اشْتَدَّ عَلَيَّ فِي الطَّلَبِ -[422]-، قَالَ: فَجَاءَ فَقَالَ: «أَيْسِرْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي إِلَى الْمَيْسَرَةِ - طَائِفَةً مِنْ دَيْنِكَ الَّذِي عَلَى أَبِيهِ، إِلَى هَذَا الصِّرَامِ الْمُقْبِلِ» ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، وَاعْتَلَّ وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مَالُ يَتَامَى، فَقَالَ: «أَيْنَ جَابِرٌ؟» فَقَالَ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «كِلْ لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سَوْفَ يُوَفِّيهِ» ، فَنَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا الشَّمْسُ قَدْ دَلَكَتْ، قَالَ: «الصَّلَاةَ يَا أَبَا بَكْرٍ» فَانْدَفَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ: قَرِّبْ أَوْعِيَتَكَ، فَكِلْتُ لَهُ مِنَ الْعَجْوَةِ فَوَفَّاهُ اللَّهُ، وَفَضَلَ لَنَا مِنَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا، فَجِئْتُ أَسْعَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِهِ، كَأَنِّي شَرَارَةٌ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تَرَ أَنِّي كِلْتُ لِغَرِيمِي تَمْرَهُ، فَوَفَّاهُ اللَّهُ، وَفَضَلَ لَنَا مِنَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: «أَيْنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؟» فَجَاءَ يُهَرْوِلُ، فَقَالَ: «سَلْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ غَرِيمِهِ، وَتَمْرِهِ» فَقَالَ: مَا أَنَا بِسَائِلِهِ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ سَوْفَ يُوَفِّيهِ، إِذْ أَخْبَرْتَ أَنَّ اللَّهَ سَوْفَ يُوَفِّيهِ، فَكَرَّرَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: " مَا أَنَا بِسَائِلِهِ، وَكَانَ لَا يُرَاجِعُ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ مَا فَعَلَ غَرِيمُكَ وَتَمْرُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَفَّاهُ اللَّهُ، وَفَضَلَ لَنَا مِنَ التَّمْرِ كَذَا، وَكَذَا فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ أَكُنْ نَهَيْتُكِ أَنْ تُكَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: أَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُورِدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتِي، ثُمَّ يَخْرُجُ، وَلَا أَسْأَلُهُ الصَّلَاةَ عَلَيَّ، وَعَلَى زَوْجِي قَبْلَ أَنْ -[423]- يَخْرُجَ