وغيرهم ممن اغترفوا من مَعين الإمام أحمد، وأضافوا إليه من جهودهم المباركة، واجتهاداتهم السديدة ما أثرى المذهبَ الحنبلي، ورفده بنفائسَ علمية عالية القيمة والقدر في مختلفِ فنونِ علوم الإسلام.
الحقيقة الثانية هي: أن هؤلاء الرجالَ الأفذاذَ الفحولَ، لزموا غَرْزَ السنة، واتبعوا مستنها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما منهم إلا صاحب سنة فيما يأتي، وفيما يَذَرُ.
ولا غرو، فمذهبُ الإمام أحمد مبني على السنة.
يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية - في التمذهب من أصول الفقه -: " ومَن كان خبيراً بأصولِ أحمد ونصوصِه، عرف الراجح في مذهبه في عامّة المسائل، وإن كان له بَصَرٌ بالأدلة الشرعية، عرف الراجحَ في الشرع، وأحمد كان أعلمَ مِنْ غيره بالكتاب والسنة وأقوالِ الصحابةِ والتابعين لهم بإحسان، ولهذا لا يَكَادُ يوجد له قول يُخالف نصاً كما يُوجد لِغيره، ولا يوجد له قولٌ ضعيف في الغالب إلا وفي المذهب قول يُوافق القولَ الأقوى. وأكثرُ مفاريده التي لم يختلِفْ فيها مذهبُه يكونُ قوله فيها راجحاً، كقوله بجواز فسخ الإفراد والقِران إلى التمتع، وقبوله شهادة أهل الذمة على المسلمين عندَ الحاجة، كالوصية في السفر، وقولِه بتحريمِ نكاح الزانية حتى تتوبَ، وقولِه بجوازِ شهادةِ العبد، وقولِه بأن السنةَ للمتيمم أن يمسح الكُوعين بضربةٍ واحدةٍ، وقوله في المستحاضة
بأنها تارةً ترجِعُ إلى العادة، وتارةً ترجع إلى التمييز، وتارةً ترجع